مواقع "التقاطع" الاجتماعي..!!

مواقع "التقاطع" الاجتماعي..!!
التي يسميها البعض مواقع التواصل الاجتماعي، ويتوهمون أنها كذلك، بينما هي في حقيقة الأمر مواقع تقاطع اجتماعي، لا مواقع تواصل؛ لأنها قطعتك عن الواقع، ووصلتك بعالم افتراضي متخيل؛ فأصبحت تجلس وحدك، وتعيش حالة من اللاوعي، تظن نفسك مع أناس نحوك تحاورهم، وتتفاعل معهم، وتتخيل أنك متواصل مع الناس في الوقت الذي أصبحت فيه أشبه بأطفال التوحُّد، بل قد يكون البعض أحيانًا أكثر توحُّدًا منهم؛ فهو يعيش بين الناس، لكنه ليس معهم، غارق في عالمه الافتراضي، ويهيم في أودية المواقع متنقلاً بينها ساعة هنا، وساعة هناك.. ساعة في هذا الموقع، وأخرى في ذاك..!!
يظن أنه يصل رحمًا، ويتواصل مع الأصدقاء، ويبنى علاقات اجتماعية جديدة مع بني البشر..!! وما علم أنه وصل رحمًا وقطع أقرب منها؛ لأنه يجلس مع عائلته منشغلاً عنهم بهذا الوصل المدَّعى قاطعًا الوصل الحقيقي، وتواصل مع صديق وأهمل آخرين يجلس معهم، وبنى علاقات جديدة وهدم أخرى عمرها عشرات السنين..!!
أتصل بعيدًا وتقطع من تزاحم ركبته ركبتك في بيتك..؟!!
أتصل صديقًا بينك وبينه آلاف الأميال وتقطع من يشاركك المجلس..؟!!
أتبحث عن بناء علاقات جديدة وتهدم أخرى قائمة..؟!!
مَن أراد أن يتأكد من هذا الكلام، ويراه رأي العين، فما عليه إلا أن يتذكر ثلاثة مجالس، يرى بعضها بنفسه، ويسمع عن أخرى: تابع مجلس العائلة وتمعن فيه جيدًا.. ستجد الأب مشغولاً بهاتفه يتابع آخر "التغريدات" وأخبار المتابعين، من غادر منهم ومن بقي..!! والأم تتابع آخر صرعات الموضة التي تبثها المحال على "الانستقرام" وآخر "سنابة" لفلانة أو علانة.. وأين سافرت هذه؟!! وماذا قدمت تلك على سفرتها؟!! والبنت مشغوفة بآخر "سنابة" لهذه المشهورة أو تلك..!! وما "موديل" فستان هذه..!! وما لون حقيبة تلك..!! والولد كل همه تصدَّر "الريال" أم لحق به "البرشا"..؟!! وماذا قدَّم "كرستيانو"؟ وماذا فعل "ميسي"..؟!! ومن منهما سينال "الكرة الذهبية" هذا العام..؟!!! أما الأطفال فحدِّث ولا حرج، ولا تسأل ما مصير عينَيْ هذا..؟!! وما أخبار "كهرباء الرأس" عند ذاك..؟!! وما عدد الساعات التي قضاها هذا أمام "الآيباد"..؟!! وما الأيام التي قضاها الآخر مع "السوني4"..؟!!
كل هذا يحدث في مجلس عائلة واحدة، كان يجمعهم التفكير في حل ألغاز الجد، وتهز وجدانهم حكايات الجدة.. بعد أن جمعهم صحن واحد، تناولوا فيه ألذ طبخة من يد الأم.. بعد استقبالهم الأب بالأحضان.. "إيه يا زمن"..!!
أما المجالس الأخرى التي أريد منك أن تتذكرها فهي مجالس الرجال، ومجالس النساء.. فحاول أن تمعن النظر في مجلس الرجال في أي مناسبة تجمعهم؛ لترى العجب العجاب من انشغالهم في هواتفهم..!! نعم، هناك مكان واحد يجمع أجسادهم، ولكن عقولهم تهيم في بقاع الأرض..!! صحيح أنهم في مكان واحد، ولكن قلوبهم كل منها في بلد..!!
أما مجلس النساء فحدِّث ولا حرج؛ فبعضها أشبه ما يكون بـ"الحراج"، أو حفل صاخب من كثرة الأصوات واختلاط الحابل بالنابل..!! وبعضها أشبه ما يكون بمجلس عزاء لما يخيم عليه من صمت - على غير العادة - لأن كل واحدة منهن قد وضعت السماعات في أذنيها، وغابت مع ما
بعد كل هذا أيمكن أن نطلق على هذه المواقع مواقع التواصل الاجتماعي..؟!!! أم أننا سنطلق عليها مواقع "التقاطع" الاجتماعي؟!!

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org