نخلاتنا العوجاء.. متى تعتدل؟!

نخلاتنا العوجاء.. متى تعتدل؟!

نخلاتنا العوجاء هل يمكنها أن تعتدل؛ فيخف ميلها، ويستقيم جذعها، ويحسن اصطفافها؛ لتسقط ثمارنا في حوضنا؟ أم تُترك على علاتها مثلاً يُروى، وعِبْرة تفيد في تقويم الإنسان لسلوكه إن اقترف نفع الغير فقط دون الأقربين؟ لكن نخشى أن تذوي مع الزمن، ونكره اجتثاثها بعد أن تيبس تمامًا!! فالعوج - وهي بالمناسبة كلمة فصيحة (أجساد بها عوج أي غير معتدلة كما في معجم المعاني) - هو داء في طبع البعض، ينفِّر من صاحبه، ويجعله مكروهًا.

الحقيقة، إن لدينا نخلات كثرًا مائلات تمامًا (ذكورًا وإناثًا) من جملة البشر الذين يسعون لنفع الأباعد وحرمان الأقربين الذين هم أولى بالمعروف. والحسرة إن كانوا ممن ساهم - بطريقة أو بأخرى - في سقيا النخلة والعناية بها حتى نمت واستطالت، ثم مالت بحنان لفضاء الجيران، تُدلي تميراتها لهم، وتُسقطها في حوضهم!! قال الشاعر في ذلك:

من الناس من يغشى الأباعد نفعه
ويشقى به حتى الممات أقاربه
فإن كان خيرًا فالبعيد يناله
وإن كان شرًّا فابن عمك صاحبه

ما أكثرهم الذين يقصِّرون في حق أهلهم، ويحرمونهم الضروريات والتعامل الحسن، في حين يفاخرون عند الآخرين، ويدَّعون الكرم والعطاء والبذل، ويهبونهم وقتهم وأمزجتهم الجيدة، وضحكاتهم ملء قلوبهم، وكأنهم لم يسمعوا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

هل يمكن أن تتخيل شخصًا يحرم عائلته كسوة الشتاء مثلاً، ثم تراه يقيم الولائم، وينفق بسخاء على الغرباء؟ لا يعجبك بكل تأكيد الشاب الذي يصرخ في وجه والديه، ويقترف أكثر من "الأُف" المنهي عنها في القرآن الكريم في قوله تعالى: {فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا...}، ثم تراه يتودد لأصدقائه، ويغدقهم بالحديث والحكايا (والسوالف) والمنافع المتعددة! ويمكن أن يقدِّم خدماته لآبائهم، ويترك والده يتحسر على شيباته! أو التي تعنِّف صغارها وتعاقبهم لأخطائهم الصغيرة، في حين تتحمل مساوئ أبناء ضيفاتها بجَلَد غريب!

تطول أمامي القائمة، ويتزاحم العوج و(العوجان)، وتكثر أمثلتهم بيننا، وتتنوع أعاجيبهم، لكن أقساهم ذلك الذي يمتد خيره بعيدًا بعيدًا لأناس لا يستحقون مطلقًا؛ أولئك الذين يهاجموننا ويحتقروننا، ويُظهرون كرههم لنا؛ فيكبر الأسى، ويزداد الألم!

إنهم إخواننا (الأغنياء جدًّا)، الذين يرحلون بخيراتهم لديار الغرب وغيرها، ويغدقونهم، وينهضون بتجارتهم، بل ينقذونهم من السقوط والفشل والإفلاس!! وهم يعلمون أنهم لن يرضوا عنهم مهما فعلوا، ومهما قدَّموا من تضحيات! والمرارة أنهم يكتشفون خطأهم متأخرًا حين يتمادى الذي مال إليه ونثر تمراته في حوضه؛ فيخرج منتصرًا على أكتافه هو، منكشفًا بسوء النوايا والمخابر! الأمثلة عن هؤلاء كثيرة، خرجت لنا، وطفت تمامًا، وقالها أصحابها معترفين بلا تردد! وأتمنى أنهم يتأسون أيضًا!

عودوا – يا من ابتعدتم - لدياركم الطيبة وأحواضكم العامرة وأهلكم الطيبين؛ فهم الذين يستحقونكم. لدينا أيها التجار الكثيرون ممن يتمنون أن تمدوا لهم أياديكم، وتنتشلونهم، ليس من السقوط فحسب، بل من الغرق والضياع والمصائب المتنوعة.. ستجدون أُسَرًا تحتاج إليكم، بؤساء ينتظرون عطاءكم، أفواهًا جائعة لم تذق لقمة دافئة منذ زمن، جيوبًا خالية تتمنى أن تعمر ولو بالقليل الذي يقيها شر الحاجة، ظهورًا كسرها العوز، تنتظر أن تخرج من سجن الدَّيْن ومصائبه! مرضى أنهكم المرض، ويتوسلون علاجهم!

ستجدون المزيد والمزيد منهم، لكنهم وهم يجمعون تمركم الناضج من حوضكم العامر لن يركلوا النعمة بعد أن يشبعوا وتمتلئ بطونهم!

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org