"نيويورك تايمز": من الحليب إلى المخدرات.. كيف سيطرت إيران تمامًا على العراق؟

أكدت أن لديها مشروعًا خطيرًا وتقاتل من أجل ممر حيوي بالعراق لتمويل مليشياتها الشيعية
"نيويورك تايمز": من الحليب إلى المخدرات.. كيف سيطرت إيران تمامًا على العراق؟

قالت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير كبير لها عن الحالة في العراق: "إن كل ما أنفقته الولايات المتحدة الأمريكية على هذا البلد جنت نتائجه إيران"!

وتفصيلاً، قالت الصحيفة: "عندما تمشي في أي سوق في العراق ستجد الرفوف مليئة بالسلع الإيرانية: الحليب واللبن والدجاج.. وجميع المنتجات الغذائية ستجدها من الصناعة الإيرانية، حتى القنوات الفضائية جميعها تبثُّ برامج متعاطفة مع إيران، كذلك المباني المرتفعة على الأرجح ستجد أن الأسمنت والطوب بها قد تم استيرادهما من إيران.. وعندما يشعر الشباب في العراق بالملل فإنهم سيحصلون على الحبوب المخدرة ذات الصناعة الإيرانية؛ إذ ستكون على الأرجح مهرَّبة أيضًا عبر الحدود بين البلدين"!

وتابع التقرير "في جميع أنحاء العراق تعمل المليشيات الإيرانية بجد لإنشاء ممر لنقل الرجال والعتاد إلى مواطن الصراع بالوكالة في سوريا ولبنان. وحتى في قاعات السلطة السياسية في البلد كل كبار المسؤولين في الحكومة العراقية قد تمت مباركتهم من النظام الإيراني".

وأردف: "عندما غزت الولايات المتحدة الأمريكية العراق قبل 14 عامًا للإطاحة بصدام حسين كانت أمريكا ترى العراق بمنزلة حجر الزاوية لشرق أوسط جديد، وقدمت الدماء والأموال، وخسر4500 جندي أمريكي أرواحهم، وأنفقت أمريكا أكثر من تريليون دولار في صالح القضية".

واستطرد التقرير: "من اليوم الأول للحرب رأت إيران شيئًا آخر، هو جعل العراق دولة عميلة لها، بعد أن كانت دولة منافسة عسكريًّا، وخاضت معها حربًا مريرة، استُخدمت فيها كل أنواع السلاح، بما فيها الكيماوي. وإذا نجحت إيران في مشروعها فالعراق لن يكون مرة أخرى بمنزلة تهديد لها، بل سيكون منطلقًا لتعزيز نفوذها في المنطقة. وبالطبع في تلك المسابقة فازت إيران، وخسرت الولايات المتحدة الأمريكية".

وأشار: "وعلى مدى الأعوام الثلاثة السابقة ركزت الولايات المتحدة الأمريكية على هزيمة تنظيم داعش، وأرسلت 5 آلاف جندي إلى العراق لهزيمة التنظيم في مدينة الموصل (ثاني كبر المدن العراقية)".

وتابع: "لكن إيران لم تغب عن تحقيق مهمتها في العراق؛ فالسيطرة على جارتها تعني زوال التهديد العسكري، إضافة إلى الوصول إلى ممر بحري إلى البحر المتوسط".

ويقول هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي الأسبق إن إيران هي المهيمنة، وقد تم الإطاحة به من قِبل النظام الإيراني خشية صلاته العميقة مع الولايات المتحدة الأمريكية. مضيفًا بأنه أمر بالغ الأهمية الحديث عن الهيمنة الإيرانية على العراق.

وواصلت الصحيفة بالقول: "وقد أدت الهيمنة الإيرانية على العراق إلى زيادة التوترات الطائفية في المنطقة، خاصة مع الدول السنية وحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، مثل المملكة العربية السعودية التي انتفضت لمواجهة التوسع الإيراني في المنطقة، لكن العراق ليس سوى جزء بسيط من المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة، التي تستخدم فيها طهران قوتها الناعمة والقوية لتوسيع نفوذها في كل من لبنان وسوريا واليمن وأفغانستان، وفي جميع أنحاء المنطقة".

ولفتت الصحيفة إلى أن "نفوذ إيران في العراق ليس عرضيًّا بل متأصلاً في كل مفاصل الدولة من الناحية السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية".

وفي بعض المراكز الحدودية تبدو فكرة السيادة الوطنية العراقية فكرة متأخرة نوعًا ما؛ فالشباب يعبرون هذه المراكز دون التدقيق في هوياتهم؛ إذ يتم تدريبهم في إيران، ثم يبدأ العمل على توصيلهم إلى سوريا للقتال تحت قيادة ضباط من الحرس الثوري للدفاع عن الرئيس السوري بشار الأسد".

وفي الاتجاه الآخر يقوم سائقو الشاحنات بإيصال المواد الغذائية والسلع المنزلية والعقاقير غير المشروعة إلى السوق العراقية الحيوية والأسيرة في يد إيران.

لقد وصل الإيرانيون إلى كل شيء، حتى عمال النظافة في النجف هم من الجنسية الإيرانية؛ إذ وقَّعت السلطات المحلية في المدينة عقدًا مع الشركات الإيرانية للقيام بهمام النظافة في المدينة.

من الناحية السياسية إيران لديها عدد كبير من الحلفاء في البرلمان العراقي، الذي يمكن لها من خلالهم تحقيق أهدافها ببساطة، أبرزها قدرتها على تأمين اختيار وزير الداخلية العراقي عبر مليشيات ومجموعات سياسية، قامت ببنائها في الثمانينيات من أجل معارضة الرئيس العراقي صدام حسين، التي باتت مسيطرة على مفاصل هذه الوزارة والشرطة الاتحادية.

ولعل الأهم من ذلك هو القانون الذي أقره البرلمان العراقي العام الماضي، والذي جعل من المليشيات الشيعية العصب الرئيسي لقوات الأمن؛ وهو ما يمنحها التمويل المالي من قِبل الحكومة العراقية، مع الحفاظ على هيمنة النظام الإيراني عليها.

الآن مع الانتخابات البرلمانية الجديدة التي تلوح في الأفق بدأت المليشيات الشيعية تنظم نفسها سياسيًّا للفوز بهذه الانتخابات التي يمكن أن تضمن لإيران مزيدًا من الهيمنة السياسية على العراق. وتبث قنوات التلفزة العراقية تغطية إخبارية، تصوِّر إيران على أنها حامية العراق، بينما الولايات المتحدة دولة متطفلة، تدخلت في العراق دون أية دعوة.

وفي محاولة من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية لاحتواء النفوذ الإيراني أعلنت عزمها إبقاء الجنود الأمريكيين في العراق. لكن مع الانسحاب الأمريكي المفاجئ عام 2011 يبدو الثبات الأمريكي في العراق محل شك، مع فشل ذريع للسياسة الخارجية الأمريكية هناك.

لقد لعبت إيران لعبة أكثر عمقًا، ووسعت علاقاتها الدينية مع الأغلبية الشيعية في العراق، مع الارتباط بشبكة واسعة من العملاء المحليين؛ وهو ما يسهل مهمتها كإثبات أنها الحامية الوحيدة للعراق والموثوق به.

إيران لديها مشروع عظيم في العراق عبر الحصول على ممر، يمتد من العراق إلى سوريا؛ لبسط هيمنتها على المنطقة مرورًا بلبنان؛ إذ سيسهل عليها إرسال الوفود العسكرية والسلاح والمؤن إلى المليشيات المقاتلة هناك.

ويضيف: وعلى الحدود الأخرى يعبر إلى داخل العراق أكثر من 200 شاحنة يوميًّا محمَّلة بالأغذية والأطعمة وكل مواد البناء.. بينما العكس؛ فلا يتم عبور أي شاحنة إلى إيران. وقال مسؤول إيراني: "إن إيران لا تحتاج للعراق، بل العراق هو من يحتاج لإيران". ويضيف: ما عدا النفط يعتمد العراق على إيران في كل شيء.

ويكشف التقرير كيف طهرت إيران محافظة ديالى العراقية، وهمشت الأقلية السنية لتنفيذ أجندتها، وتنفيذ الممر من العراق إلى سوريا عبر محافظة ديالى، بتخطيط وإشراف قاسم سليماني.

وتضيف الصحيفة بأن ديالى الآن هي نموذج بسبط للسيطرة الإيرانية على العراق. وبحسب نجاة الطائي، أحد المسؤولين السنة في المحافظة، فإن إيران أكثر ذكاء من أمريكا؛ فقد نجحت في تنفيذ مخططها، ولم تحمِ أمريكا العراق.. لقد سلَّمته إلى إيران.

ويختتم التقرير بالقول: "إن النفوذ الإيراني عميق جدًّا في العراق، لكن في عام 2009 كشفت وثيقة ويكيلكس أن إيران فقدت المبادرة الاستراتيجية في العراق نتيجة الوجود الأمريكي، لكن الانسحاب الأمريكي من قِبل أوباما عام 2011 فتح الباب للهيمنة الإيرانية مجددًا".

ويحذر ريان كروكر، السفير السابق للعراق، بأنه إذا خرجت الولايات المتحدة الأمريكية بعد هزيمة داعش فإن ذلك سيعطي إيران الضوء الأخضر لعمل كل شيء بحرية.

وبحسب الصحيفة، فإن إدارة دونالد ترامب تعطي العراق أولوية خاصة لمجابهة النفوذ الإيراني، لكن هل فات الأوان؟

يجيب أحد المحللين العسكريين، الذي يتمتع بعلاقات طيبة مع إيران وأمريكا، بأن "إيران لن تجلس صامتة ولا تفعل شيئًا". وتابع "لديهم وسائل كثيرة. بصراحة، الأمريكيون لا يستطيعون فعل شيء".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org