هكذا سنتخطى المكسيك

هكذا سنتخطى المكسيك

رؤية المملكة العربية السعودية 2030 تستهدف القفز من المركز "التاسع عشر" إلى المركز "الخامس عشر" في الناتج المحلي الإجمالي بين الدول؛ وبذلك علينا تخطي "المكسيك" صاحبة المركز الخامس عشر حاليًا، وذات الناتج المحلي الإجمالي بـ 1144 مليار دولار لعام 2016م، بعد أن قفزت به من 684 مليار دولار خلال 15 عامًا.

أكتب هذا المقال تزامنًا مع المؤتمر الذي تقيمه وزارة التعليم هذا الأسبوع بعنوان "دور الجامعات في تحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030". وعلينا معرفة قوة الاقتصاد المكسيكي وأبعاده؛ لكي نتخطاه.

صادرات المكسيك وصلت إلى 381 مليار دولار خلال عام 2015. وتمثل صادرات السيارات والأجهزة الإلكترونية والمعدات والمكائن والمعدات الطبية نسبة 65 % من ذلك، أي تقريبًا 250 مليار دولار. ويجب أن نذكر أيضًا أن 20 % من صادرات المكسيك تصنف "عالية التكنولوجيا".

وعند مقارنة الصادرات المكسيكية بالسعودية نجد الصادرات السعودية 213 مليار دولار، منها 164 مليار دولار صادرات نفطية. والصادرات ليست معيارًا وحيدًا للمقارنة، ولكنه مؤشر كبير في ظل التوجُّه لعدم الاعتماد على النفط بشكل كبير. فلو نظرنا للواردات السعودية نجد أن السعودية استوردت في عام 2015 بـ 170 مليار دولار (مكائن ومعدات بـ 27 مليار دولار، و25 مليار دولار سيارات، و20 مليار دولار أجهزة إلكترونية، وغيرها).

عدد سكان المكسيك 122 مليون نسمة، والقوة العاملة منهم 52 مليون شخص، والبطالة فقط 5.5 %، ويوجد في المكسيك سكان يصنفون تحت خط الفقر، ولكن هذا نمط معتاد، مثل الهند والصين، وهما من أكبر اقتصادات العالم، ولديهما سكان تحت خط الفقر، وهم في انخفاض تدريجي، ويلتحقون بسوق العمل تدريجيًّا.

بماذا تتميز المكسيك؟ دعونا ننظر للصناعة (المرآة الحقيقية للتقدم في الأعمال).

تتميز المكسيك بصناعة السيارات؛ إذ تعتبر المكسيك (سابع) أكبر دولة مصنعة للسيارات، وتصنع سنويًّا 3.5 مليون سيارة. وتتميز أيضًا بصناعة الإلكترونيات؛ وتحتل المكسيك المركز (السادس) عالميًّا في هذه الصناعة. وتعتبر المكسيك ثاني أكبر دولة مصدِّرة للإلكترونيات للولايات المتحدة بـ 71 مليار دولار خلال عام واحد. أما في صناعة الحاسب الآلي فتعتبر المكسيك (ثالث) أكبر مصنِّع بالعالم.

يتخلل الصناعات في المكسيك أعمال بحوث وتطوير وتقدُّم تكنولوجي، أي أنها ليست "تجميع صناعات فقط"؛ وهذا يجعلها تتميز عن بقية دول أمريكا اللاتينية. فمثلاً سيارات فلوكس واجن جيتا الجديدة صممت المكسيك أكثر من 70 % منها. ويوجد في المكسيك مصانع لسيارات جنرال موتورز وفورد وكرايسلر منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، ومصانع فولكس واجن ونيسان منذ الستينيات، وأوجد بها مؤخرًا مصانع لتويوتا وهوندا و BMWومرسيدس بنز. أيضًا، أكثر من 25 % من الأجهزة الكهربائية والإلكترونية الأمريكية واليابانية التي تباع في الولايات المتحدة الأمريكية هي من تصاميم وصناعات مكسيكية.

ما هو سر تميُّز المكسيك في هذه الصناعات؟ يأتي تميُّز المكسيك في التكنولوجيا والإلكترونيات من الجامعات؛ ففي المكسيك 450 ألف طالب يدرسون حاليًا في برامج هندسة الإلكترونيات، ويتخرج منهم 114 ألفًا سنويًّا. وللمقارنة، طلبة الهندسة بأنواعها في السعودية (وليس فقط هندسة الإلكترونيات) فقط 50 ألف طالب، ويتخرج منهم 4 آلاف سنويًّا. ويوجد في المكسيك حاليًا أكثر من 580 ألف مهندس إلكترونيات موثق منذ عام 2007. ومنذ أواخر التسعينيات بدأت المكسيك التحوُّل من "مصانع التجميع" إلى "مصانع متكاملة"؛ إذ يعملون بحوثًا وتطوير وتصاميم للإلكترونيات. وفي عام 2006 عدد المهندسين المكسيكيين المجتازين لاختبارات الموثوقية الهندسية تخطى مهندسي الولايات المتحدة الأمريكية.

المكسيك ماضية قُدمًا في التطوُّر مثل بقية دول العالم، وسلاحهم هو امتلاك التكنولوجيا والكوادر الماهرة؛ لينافسوا الدول المتقدمة؛ لذلك تطوير جامعاتنا ومخرجاتها وبحوثها ودراساتها، وأيضًا مراكز البحوث والتطوير والدراسات للقطاع الخاص ودور الفكر وبيوت الخبرات، أمرٌ مهمٌّ لتحقيق الطموحات.. وهذا هو الطريق للمنافسة والتقدم.

يجب أن يكون لدى جامعاتنا قناعات تامة بأن رؤية السعودية لن تتحقق إلا من خلال منافسة الدول المتقدمة بالصناعات المتقدمة والخدمات المتقدمة والتكنولوجيا والابتكارات والإبداع وبقية مخرجات البحوث العلمية.. ومتى ما أردنا أن نغيِّر في المعادلة فعلينا تقديم قيمة مضافة لدول العالم جميعها.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org