وكبرت الطفلة يا أمي!!

وكبرت الطفلة يا أمي!!

لم تعد رائحة الهدايا تغريني يا أمي، ولا اللعب بدمية لا تتحرك يرضي شعوري كالماضي، لم أعد أقوى على السهر ليلاً؛ حتى وان تمردت الذكريات على ليلي؛ يرغمني التعب على المحافظة على تعاليم نومي على تلك الخلايا التي تستيقظ للعمل وقت سباتي، تشحن همة قوتي في الصباح، وتدفع بعجلة كفاحي لمقاومة صعاب الحياة.

بعد حجرك يا أمي وزمن الطيبين؛ أصبحت المساكن خاوية في قلبي، كنت بخير قبل أن أخضع لاختبار صفعات الحياة واختلاف معادن البشر، ولم أعد كذلك بعد دعائك الذي انقطع صوتاً لا شعوراً.

وكبرت الطفلة يا أمي، وأدركت أن الأمور تكبر وتصغر بناءً على نظرتنا لها، وأن الاختلاف نعمة والتنازل ضرورة، وحتى لا يغرق المركب؛ فالاستشارة والاستخارة أهم مستلزمات الرحلة، والنظر إلى المشكلة من زاوية واحدة فقط قد يحدث شرخاً مميتاً في المركب ينبغي لعلاجه توخي الحذر والتروي في اتخاذ القرار الصائب الحكيم، والتفكير بعمق في حلول أكثر من التفكير في ماهية المشكلة.

وكبرت الطفلة يا أمي؛ وأصبح البحر متنفسي والهدوء مطلبي، وكثرة الكلام تزعجني، ولم تعد الملاهي والألعاب تستهويني.. تخيلي؟!

اندثرت البساطة في التعامل والماديات، وحتى في فهم الأمور! لا نشبهكم ولا نشبهنا، ونحن في زمنكم يا أمي، صار التنافس على المناصب مطلباً، وأصبح المال والشهادة هو المقياس الذي يقاس به نجاح المرء ومقامه في المجتمع أكثر من الأخلاق!

وبدلاً من التسابق على الارتقاء درجات في عقيدة الإنسانية؛ يحدث أن يتسابق الناس على تشويه سمعة، وإنكار معروف، وتصيد أخطاء، وفرض رأي، وغيرها من المظالم المتعلقة بشخص أو مذهب أو حتى مجتمع؛ لمجرد أننا نختلف عنهم أو أنهم لا يوافقوننا أو حتى لأننا قد لا نحبهم!

وكبرت الطفلة يا أمي، وأصبحت بيوتنا كبيرة وغرفها كثيرة؛ لكن مع الأسف صارت قلوبنا أصغر وصدورنا أضيق! لم نعد نأكل من ذات الصحن وذات الصنف كما في زمنكم يا أمي حتى لا نخالف قواعد الإتيكيت، ونظهر بمظهر مزدرٍ لا يتناسب مع الذوق العام!!

وكبرت الطفلة يا أمي ولم تعد جلسة الحوش مع الشاي وحكاوي كبار السن تُسعدنا، وزيارة الجيران في نهاية الأسبوع لم تعد تُقنعنا؛ حتى السياحة الداخلية والسفر لمدن المملكة سقطت من قائمة الترفيه لدى هذا الجيل، ولم تعد مرغوبة؛ كونها لا تُغني ولا تُسمن من جوع بزعمهم، ولا تصل إلى مستوى التفاخر المأمول؛ حتى وإن حَظِيَت مدننا بالحضارات والآثار القيمة فلن يرحمها النقد الساخر من أبنائها.

وكبرت الطفلة يا أمي، وغاصت في لجة العولمة مع العديد من التقنيات وسبل التواصل السهلة وعالم الشبكة العنكبوتية، والقليل من الود والاحترام وحتى الثقافة برغم توفر مصادرها!

في زمنكم يا أمي حين يسافر أحدهم؛ تتحملون الكثير من المعاناة والمشقة لتسألوا عن أحواله، وتتكلفوا مادياً وجسدياً لتكتبوا المراسيل وتطمئنوا قلوبكم النقية، والآن نستكثر رسالة جوال لتفقد أحوال الأقارب والجيران!

رسالة حنين/

كبرت الطفلة يا أمي؛ بل هرمت بعدك (رحمك الله) من واقع مجتمع متغير، وثقافة حضارة لا تعنينا!

أحن إلى أمي.. ورغيف أمي.. وزمن أمي.. وطفلة بداخلي لن تكبر.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org