الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان تؤكد: المفهوم الإسلامي للحكم الرشيد منهج شامل لإقامة العدل

خلال دورتها الـ"15" التي عُقدت بجدة
الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان تؤكد: المفهوم الإسلامي للحكم الرشيد منهج شامل لإقامة العدل

رحبت الهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي خلال دورتها العادية الخامسة عشرة , التي عقدت بمقر الهيئة بجدة , خلال الفترة من 21- 25 إبريل الجاري , بما عبر عنه ممثلو الدول الأعضاء في المنظمة من خطواتٍ وإرادةٍ للنهوض بحقوق الإنسان والممارسات الفضلى التي تعزز الحكم الرشيد من خلال البناء المؤسسي وتمكين المواطنين، وتعاونٍ مستمرٍ مع الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين وفقاً لالتزاماتها بموجب الصكوك الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان.

واعتمدت الهيئة الإعلان الختامي حول النقاش المواضيعي بشأن "دور حقوق الإنسان في تعزيز الحكم الرشيد" الذي عقد يوم 23 أبريل الجاري , خلال الدورة العادية الخامسة عشرة للهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان , إذ تسترشد بهدي القرآن الكريم وتعاليم الدين الإسلامي بشأن حماية الحقوق وإقامة العدل وخدمة المصلحة العامة وبصكوك منظمة التعاون الإسلامي والصكوك الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة بالحكم الرشيد.

وأكدت الهيئة مجدداً , أن الإسلام دين ينظم جميع جوانب الحياة الإنسانية على هدي القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث يستند المفهوم الإسلامي للحكم الرشيد إلى منهجٍ شاملٍ لإقامة العدل، والتحلي بروح المسؤولية، وحماية الحقوق، وكفالة رفاه الفرد والجماعة بالقضاء على الفساد والظلم الاجتماعي.

وشدّدت على أن مفهوم الحكم "الحكامة / الحوكمة" مفهومٌ قديمٌ قِدَمَ الحضارة الإنسانية، يشمل كلا من عملية صنع القرار وتنفيذه , وتقع المسؤولية الأولى فيما يخص حقوق الانسان والحكم الرشيد على عاتق الدول، ويضطلع باقي الفاعلين من أحزاب سياسية وحكومات ومؤسسات دينية واقتصادية ومالية ومختلف الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، بدورٍ مهمٍ في اتخاذ القرارات والتأثير فيها وتنفيذها على شتى المستويات.
وأكدت النقاشات أن مفهوم الحكم الرشيد في الإسلام يشدّد على دور القيم والقيادة والبراغماتية في توجيه البنية التحتية المؤسسية , وتحقيقاً لهذه الغاية، نُذكر بنموذج الحكم الذي سنّه النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليكون منهاجا لكافة المسلمين من أجل إقامة العدل وكفالة الحقوق والواجبات في مجتمع شامل ومتناغم.

وأبرزت الهيئة أن مفهوم "الأمانة" في الإسلام يشكّل جوهر الحكم والمسؤولية على جميع المستويات , والمسلم مأمور بأداء واجباته بصدقٍ وعنايةٍ؛ وفاءً للأمانة التي عهده إياها - الله سبحانه وتعالى – كما ورد في (سورة الأنفال، الآية 27) , ويرتبط مفهوم "التقوى" في الإسلام ارتباطاً وثيقاً بالحكم الرشيد، فينبغي لكل مؤمنٍ أن يعلم أن الله بكل شيء محيط وأن مآله إلى حساب , كما يحث الإسلام على الإتقان في العمل وتحمل المسؤولية، كما جاء في حديث رسول الله صل الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".

واستذكرت النقاشات التي دارت خلال الجلسة العادية الخامسة عشرة , إلى أن ميثاق منظمة التعاون الإسلامي وبرنامج عملها العشري الثاني يُقرّان بوضوحٍ الأهمية الاستراتيجية لتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية والحكم الرشيد وسيادة القانون والديمقراطية والمساءلة تحقيقاً لرخاء وتقدم جميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي , مذكرة من جديد أن خطة التنمية لعام 2030 وأهداف التنمية المستدامة تُقرّ أيضا دور الحكم الرشيد في تعزيز التنمية المستدامة وبناء مجتمعاتٍ سلميةٍ وعادلةٍ وشاملةٍ.

وأبرزت أن للحكم أثراً مباشراً على حياة كافة الناس في جميع البلدان، إذ يرتبط بجميع العمليات والمخرجات السياسية والمؤسسية الضرورية لضمان إدارةٍ فعالةٍ للشأن العام وتدبيرٍ عقلانيٍ للموارد العامة وإعمالِ حقوق الانسان لفائدة جميع أفراد المجتمع وتحقيق أهداف التنمية.

وأكدت أن إرساء نموذج جيد للحكم الرشيد يتطلب بنيةً تحتيةً مؤسسيةً تضمن سيادة القانون، ومشاركةً فعالةً للمواطنين في الشأن العام، وشراكاتٍ متعددة الأطراف، وتعدديةً سياسيةً، وعملياتٍ ومؤسساتٍ شفافةٍ خاضعةٍ للمساءلة.

وشددت على أن حقوق الإنسان والحكم الرشيد وجهان لعملة واحدة؛ ما يعزز الحكم الرشيد حقوق الإنسان، في حين تشكل حقوق الإنسان مصدراً للحكم الرشيد , مؤكدة أن الغرض الأساسي من الحكم الرشيد حمايةُ الكرامة الإنسانية وتعزيزُ التنمية البشرية, على هذا النحو، يظل إعمال حقوق الإنسان رهيناً بتوفر بيئة مواتية وتمكينية , تضمن وضع وتنفيذ الأطر المناسبة للتشريعات والسياسات , وبالتالي فإن المفهومين يرتبطان ارتباطاً وثيقاً ببعضهما البعض ويعزز كلّ منهما الآخر.

وشددت الهيئة في بيانها الختامي على أن الإصلاحات المتعلقة بالحكم الرشيد عندما تستند إلى قيم حقوق الإنسان تتيح للعموم المشاركة في صنع السياسات وتحسين تنفيذها، من خلال آليات رسمية أو غير رسمية , ما تساعد معايير حقوق الإنسان كذلك في وضع آلياتٍ لإشراك مختلف الفئات الاجتماعية، ولاسيما الفئات الضعيفة، في عملية صنع القرار، وتشكل معايير توجيهية لإقامة العدل وتقديمٍ منصفٍ للخدمات، وتشجع مشاركة المجتمع المدني والمجتمعات المحلية في القضايا التي تهمها.

وأكد البيان الختامي أن التثقيف في مجال حقوق الإنسان وزيادة الوعي العام بها يتيحان حواراً اجتماعياً وسياسياً مستنيراً، يساعد على تقويم الممارسات الاجتماعية والقانونية السلبية، وتقوية الحكم الرشيد , ما يعطي التوعية بالحقوق أهميةً خاصةً بين الفئات الضعيفة والمحرومة , وكذا مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل معها.
وأشار إلى أن الفساد يشكل عقبةً رئيسةً أمام تحقيق الحكم الرشيد واعتداءً على الكرامة المتأصلة للإنسان وخيانةً لمسؤولية الفرد تجاه الآخرين , ويُعرّف الفسادُ على أنه السعي لتحقيق مصالح الفرد على حساب مصلحة الآخرين؛ مما يقوض الالتزام والتضامن جراء فقدان الثقة والأمل، ويُسلب الفساد الجميع، وخاصة الفقراء والمهمشين، نصيبهم المشروع من المنفعة العامة، ويحول بذلك دون تحقيق التنمية المتكاملة.

وأكدت أن مسؤولية الدول وضع سياساتٍ وتدابير مناسبة لمكافحة الفساد على جميع المستويات، وأن من واجب جميع الأشخاص مقاومة الفساد بجميع أشكاله على نحو سلمي ,ما يتطلب احترام الكرامة أن يعيش جميع الأشخاص حياةً حقيقيةً، في ظل التضامن، ولا سيما أولئك الذين يقاومون الفساد مباشرة.

وأكدت أن للدول الحق السيادي في وضع سياساتها الوطنية لنموذجها المناسب للحكم الرشيد على أراضيها، أخذاً في الاعتبار خصوصية واقعها وسياساتها وأولوياتها ومتطلباتها الوطنية، بما يتماشى مع القانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان العالمية , كما تقع على عاتق الدول المسؤولية الأولى في إقامة العدل في ظل نموذجٍ مشروعٍ للحكم الرشيد.

وجددت التأكيد على أنه من مسؤولية كل شخصٍ المشاركة في بناء مجتمعٍ حرٍّ وعادلٍ متجذرٍ في الكرامة المتأصلة للإنسان وغير القابلة للانتهاك، وأنه يتعيّن على جميع الدول بذل قصارى جهدها لضمان المشاركة النشطة والحرة والهادفة في التنمية والتوزيع العادل لثمارها.

وأثنى البيان الختامي على جميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي التي اتخذت مبادراتٍ محددةً لضمان حكمٍ شفافٍ ورشيد، وحققت تحسناً كبيراً في هذا الصدد , معرباً عن القلق إزاء التحديات الجسيمة التي لا يزال يواجهها العديد من هذه الدول في التغلب على أوجه القصور المعقدة والمتعددة الأبعاد ذات الصلة بالحكم، وخاصةً فيما يتعلق بالفساد والصراعات وضعف البنية التحتية المؤسسية , ما يفرض هذا الواقع في العديد من الدول الأعضاء في المنظمة ضرورة تحسين الحكم الرشيد بوصفه أولوية قصوى، من أجل ضمان مجتمعاتٍ متكافئةٍ اجتماعياً واقتصادياً وشاملةٍ للجميع، وكفالة حقوق الإنسان والتنمية المستدامة.

وحثت الهيئة جميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي على استخدام مبادئ حقوق الإنسان كأساسٍ لجهود الحكم الرشيد، مع التركيز بشكلٍ خاصٍ على أربعة مجالاتٍ أساسيةٍ مترابطةٍ فيما بينها، تشمل المؤسسات الديمقراطية , وتقديم الخدمات العامة، وسيادة القانون والوصول إلى العدالة، وتدابير مكافحة الفساد للاستجابة لحقوق واحتياجات السكان.

وطالب البيان الختامي لأعمال الدورة الخامسة عشرة للهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان , جميع الدول الأعضاء وأصحاب المصلحة الآخرين على دعم الانسجام بين السياسات، واتباع نهجٍ قائمٍ على حقوق الإنسان في جميع عمليات الحكم بما يكفل المشاركة والمساءلة وعدم التمييز والمساواة والإنصاف وفقاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي.

وأكد على أن النموذج الجيد للحكم ينبغي أن يستند إلى منظورٍ محوره الإنسان على نحو يضع تنمية القدرات والخيارات والفرص البشرية في صلب عملية الحكم، وهو ما يستلزم حكومةً وحكماً شرعيين وخاضعين للمساءلة، على أساس سيادة القانون وحقوق الإنسان الأساسية.

وحددت الهيئة بعض العناصر الأساسية اللازمة لبناء نموذجٍ للحكم الرشيد؛ منها ضمان تقديم خدمات عامة على نحو فعال وعادل وغير تمييزي في ظل سيادة القانون، بما في ذلك إقامة العدل والمساعدة القانونية، إلى جانب دعم حقوق الإنسان وضمان المشاركة الكاملة والمتساوية لجميع المواطنين، بما في ذلك في مؤسسات الحكم والنظام القضائي، بالإضافة إلى الالتزام من جديد بوضع الأطر القانونية والتشريعية المناسبة لمنع جميع أشكال التمييز ومعالجتها، ولا سيما ضدّ النساء وباقي الفئات الضعيفة، من أجل ضمان تمكينها ووصولها الكامل إلى العدالة.

وأعادت التأكيد على أنه بينما يُمثِّل الحكم الرشيد عمليةً تقودها الدولة، فإن الترابط العالمي والتحديات المعاصرة تستدعي التعاون الدولي في ظل "المسؤولية الجماعية للمجتمع الدولي عن ضمان بلوغ الحد الأدنى من مستويات المعيشة الضرورية للتمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية من قبل جميع الأشخاص في جميع أنحاء العالم".

وطالبت الهيئة الدول الأعضاء باستخدام أدوات التنمية لتنفيذ مبادئ ومعايير حقوق الإنسان من أجل تحقيق نموذج الحكم الرشيد في مجالاتٍ محددة، بما في ذلك تقديم الخدمات , بجانب توفير الحوافز للجهات الفاعلة ذات الصلة من خلال استراتيجياتٍ إنمائيةٍ لتحسين الحكم الرشيد , وضمان سيادة القانون بشكل فعال، بما في ذلك التدابير غير التمييزية من أجل تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص للجميع , بالإضافة إلى تعزيز الصياغة التشريعية وتنفيذ القوانين والعمليات القضائية بما يتماشى مع معايير حقوق الإنسان , ومتابعة توصيات الاستعراض الدوري الشامل وهيئة المعاهدات من خلال نظم الرصد المناسبة , إلى جانب تمكين شرائح المجتمع بوصفه وسيلة لتعزيز جودة المشاركة ومستواها في عمليات التنمية والحوكمة.

ودعا البيان الختامي المجتمع الدولي إلى دعم الحكم الرشيد على المستوى الدولي، وهو أمرٌ أساسيٌ لتعزيز السلام العالمي والعدالة ولإقامة نظام دولي ديمقراطي , مشدداً على أهمية إصلاح هياكل الحكم الدولية، بما في ذلك الحصص وحقوق التصويت في مؤسسات "بريتون وودز"، بشكل يعكس الواقعَ الراهن على نحوٍ أفضل ويعزز صوت البلدان النامية ومشاركتها.

وأوضح البيان أن البلدان النامية، بما في ذلك العديد من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، تواجه في سياق العولمة تحدياتٍ مناخيةً وتكنولوجيةً وسياسيةً وأمنيةً وديمغرافيةً غير مسبوقة، حاثّاً على التعاون فيما بينها لإزالة هذه العقبات لضمان الحكم الرشيد والتنمية المستدامة الشاملة للجميع.

وأوصى البيان الختامي جميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي على اتخاذ تدابير منسقة ومعجلة، وفقاً للالتزامات الواردة في ميثاق منظمة التعاون الإسلامي المعدّل , وخطة العمل العشرية الثانية لسنة 2025، وذلك من أجل النهوض بحقوق الإنسان والحريات الأساسية والحكم الرشيد وسيادة القانون والديمقراطية والمساءلة , ووضع أطرٍ سليمةٍ للسياسات على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، بناءً على استراتيجياتٍ إنمائيةٍ شاملةٍ لفائدة الفقراء من أجل دعم تسريع وتيرة الاستثمار في برامج القضاء على الفقر , إلى جانب تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المطردة والاندماج الفعال في الاقتصاد العالمي، بما يتماشى مع مبادئ الشراكة والمساواة.

وأكد أن الحكم الرشيد يظل أولويةً لكل من: منظمة التعاون الإسلامي، والهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان التابعة لها، متعهدة بمواصلة العمل على تحقيق فهمٍ أوسعٍ وتنفيذٍ أفضل على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية؛ لضمان قاعدةٍ مؤسسيةٍ تكفل التمتع الكامل بحقوق الإنسان من قبل الأفراد والشعوب في جميع البلدان دون أيّ تمييز.

وأعلن البيان الختامي موافقته على إطلاق دراسة مشتركة بين الهيئة والبنك الإسلامي للتنمية, يكون مركز "أنقرة" لوضع مؤشرات لرصد التقدم المحرز بشأن المبادئ المحددة أعلاه للنظر فيها واعتمادها من قبل الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org