جهود السعودية لدعم السلام عابرة للقارات.. وإفريقيا أحدث محطة

في كل مكان .. وقد تلجأ للحروب من أجل نُصرة الحق ونجدة الملهوف
جهود السعودية لدعم السلام عابرة للقارات.. وإفريقيا أحدث محطة

تسجل المملكة العربية السعودية، اسمها كدولة راعية للسلام وداعمة له، ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب، وإنما في كل بقعة من العالم. ويحتفظ التاريخ الحديث للمملكة بصفحات مشرّفة، تشهد لها بجهود كبيرة ومضنية، لنشر ثقافة السلام والوئام وتقبل الآخر بين الدول أو الجهات المتناحرة.

وفي الكثير من المناسبات، تجدد المملكة إدراكها التام لأهمية نشر ثقافة السلام محليًا ودوليًا، وتعزيز آليات الحوار بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة حول العالم، مؤكدة أن تعزيز مفهوم السلام على المستوى الوطني، يتحقق من خلال مجالات التنمية وبناء الإنسان والاهتمام به، أما على المستوى الدولي، فيتحقق من خلال تشجيعِ علاقات الاحترام المتبادل، وتسوية مختلف الصراعات بالوسائل السلمية، وتعزيز الحوار والتضامن بين مختلف الحضارات والشعوب والثقافات.

ويشير اتفاق السلام التاريخي، الذي وقع أمس بين إثيوبيا وإريتريا في مدينة جدة، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ، إلى عدة أمور مهمة، أولها المكانة السياسية والدولية التي تتمتع بها المملكة، كدولة داعمة وراعية للسلام بين الدول المتناحرة في جميع أنحاء العالم، وثانيها قدرتها على التوسط بين الفرقاء مهما بلغت خلافاتهم، ومن ثم إقناعهم بنبذ العنف وطي صفحة الحروب والنزاعات، والأمر الثالث أن جهود المملكة لدعم السلام، لا تقتصر على الشرق الأوسط، وإنما هي عابرة للقارات.

ووقع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي، اليوم اتفاقية جدة للسلام بين الجانبين، ليطوي البلدان صفحة أطول نزاع في القارة الإفريقية. وجاء التوقيع بحضور سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، ووزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان. وعقب التوقيع، قلّد الملك سلمان الرئيس الإريتري ورئيس الوزراء الإثيوبي بقلادة الملك عبد العزيز.

ويتوج الاتفاق عددًا من الخطوات الإيجابية بمبادرة إماراتية ومساندة سعودية، لإنهاء الصراع بين إثيوبيا وإريتريا من خلال قمة ضمت الزعيمين في العاصمة أبوظبي، لتشكل هذه الجهود، التي أسهم فيها ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الشيخ محمد بن زايد، وبقيادة رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، انتصارًا لدبلوماسية السلام، التي تقودها السعودية والإمارات.

وأسفرت الجهود السعودية والإماراتية عن إقناع رئيس الوزراء الإثيوبي بسحب قوات بلاده من الحدود مع إريتريا، وقيام الأخيرة بالمثل، ضمن إجراءات بناء الثقة، إضافة إلى إعلان فتح السفارة الإثيوبية في أسمرة، وخطوات أخرى باتجاه السلام. ويوم الثلاثاء الماضي، أعادت الدولتان فتح الحدود البرية للمرة الأولى منذ 20 عامًا، ما يمهد الطريق للتجارة بينهما، بعد أن دخل البلدان في عداء طويل تخلله حروب حدودية، كانت إحداها في مايو 1998، وعرفت باسم "حرب بادمي" إشارة إلى مثلث بادمي الحدودي الذي يضم 3 مناطق بادمي وتسورنا ويوري.

جهود كبيرة ومتواصلة

وهذه ليست المرة الأولى، التي تستضيف فيها المملكة العربية السعودية، عقد اجتماعات السلام بين الجهات المتناحرة، فسبق للمملكة أن جمعت الفرقاء في دولة لبنان في عام 1989، في اتفاق سلام تاريخي، أُطلق عليه "اتفاق الطائف"، وكان دور المملكة في هذا الاتفاق مركزيًا ومستمرًا، ذلك لأن الجهود السعودية لوقف القتال في لبنان ومحاولاتها تحقيق الوفاق الوطني وتسوية الصراع اللبناني، لم تكن مؤقتة أو مرحلية، بل رافقت الحرب اللبنانية منذ بدايتها في إبريل 1975، واستمرت طوال الحرب اللبنانية حتى حالفها النجاح في الطائف.

وفي بقعة أخرى من العالم، دعمت الجهود السعودية، اتفاق سلام، تم توقيعه بين حركتي "فتح" و"حماس" الفلسطينيتين في عام 2007، في مدينة مكة المكرمة، وجاء الاتفاق، بعد مداولات لمدة يومين، حيث جرى التوافق على وقف أعمال الاقتتال الداخلي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية. وتم الاتفاق برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ وشارك في المداولات التي سبقت الاتفاق العديد من الشخصيات الفلسطينية من الطرفين (فتح وحماس)، كان من بينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس (فتح)، والنائب محمد دحلان (فتح) ورئيس الوزراء الفلسطيني السابق إسماعيل هنية (حماس) وخالد مشعل الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس.

الحرب من أجل السلام

لم تقتصر الجهود السعودية لدعم عمليات السلام، على عقد اللقاءات لتوقيع اتفاقات سلام بين الجهات المتناحرة، وإنما شملت أيضًا استخدام القوة، لنصرة الحق، وتعزيز الشرعية ونجدة الملهوف، وهو ما يفضي إلى تعزيز ورقة السلام، ففي الأمس البعيد، خاض الجيش السعودي، بجانب الجيوش العربية والغربية، حربًا ضروسًا، من أجل إعادة الحق المسلوب إلى دولة الكويت الشقيقة، التي احتلها الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في عام 1991، وقبل انطلاق الحرب، وجهت حكومة المملكة عشرات النداءات إلى صدام حسين، للتراجع عن احتلاله دولة عربية دون وجه حق، إلا أنه أصر على ذلك، فما كان من الجيوش العربية والغربية إلا أن بادرت ببدء الحرب، لنصرة الحق، ودعم السلام في المنطقة، بعد إرغام صدام على مغادرة الكويت.

وفي عام 2011، تكرر المشهد ثانية في مملكة البحرين التي شهدت أحداث شغب بسبب تدخلات إيران في هذا البلد المسالم، فسارعت المملكة بإرسال قوات درع الجزيرة إلى المنامة، بناء على طلب حكومة مملكة البحرين فأجهضت بذلك الرياض المخطط الإيراني في إثارة الاضطرابات داخل المنامة لإسقاط الحكم هناك.

واليوم يعيد التاريخ نفسه في دولة اليمن، التي لجأت إلى المملكة العربية السعودية، وطلبت منها العون والمساعدة في مواجهة الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران، على الشرعية هناك، فسارعت المملكة بتأسيس تحالف عربي إسلامي، للدفاع عن الشعب اليمني، وصد العدوان الحوثي، وقطع اليد التي تدعمه بالسلاح والمال، وعلى الرغم من أن الحرب في اليمن تتواصل للعام الثالث على التوالي، إلا أن المملكة ترفض وقفها، حتى تعود الحكومة الشرعية إلى حكومة البلاد، ويتراجع الحوثيون عن انقلابهم.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org