جامعاتنا.. أين الخلل؟

جامعاتنا.. أين الخلل؟

الكثير منا يدرك تمامًا أن جامعاتنا تحتاج لجهد عملي وعلمي كبير، وفي مقدمة ذلك إعادة هيكلتها، ومنحها استقلالاً ذاتيًّا وإداريًّا؛ حتى تواكب مثيلاتها العالمية، وكذلك لتواكب أهداف رؤية السعودية 2030 التي أفردت مجالات واسعة لتهيئة التعليم، والارتقاء بمخرجاته؛ ليواكب سوق العمل لتخريج كوادر وطنية، تلبي طموحاتنا، وتعمل على خدمة المجتمع بشكل أفضل تحقيقًا لتطلعات المجتمع.

ومن المعروف أن دور الجامعات يقوم على ثلاثة أدوار رئيسية، هي: التعليم، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع. ورغم أهمية هذه الأدوار الثلاثة، وارتباطها ببعضها، إلا أن الدورين الأخيرين "البحث العلمي، وخدمة المجتمع" يكادان يكونان منعدمَيْن في الكثير من الجامعات، وبعض الجامعات الأخرى تقوم بدور ضعيف فيهما، لا يرقى لمكانة هذه الجامعات.

وهذا الدور الضعيف يؤكد لنا أن هناك انفصالاً، وعدم تواصل بين الجامعة والمجتمع؛ وهذا بدوره أدى إلى عدم تفهُّم جامعتنا مدى حاجة المجتمع لمخرجات تعليمية وتخصصات تخدمه.

ونتيجة لهذا الخلل الكبير أصبحنا نرى خريجين وخريجات بالآلاف، لا يلبون حاجة سوق العمل، أي إن مخرجات التعليم باختصار لا تلبي حاجة السوق، وذلك نسبة إلى أن معظم خريجي الجامعات في الكثير من التخصصات، يتم إعدادهم في جامعاتنا معرفيًّا، ويبقى الجانب الأهم مفقودًا، وهو الجانب المهاري والعملي؛ وبالتالي لا تلبي متطلبات المجتمع، فما الفائدة؟ ولماذا تقوم جامعاتنا بتخريج هذا الكم الهائل؟ وإلى أين سيذهبون؟؟ فسوق العمل يشهد تغييرات متواصلة حسب حاجة المجتمع، وهو بذلك يواكب التطورات سريعًا، ولديه مرونة أكثر؛ لذلك فإن تواصل الجامعة مع المجتمع، وخلق قنوات تواصل، أمرٌ ضروري حتى تتفهم ما يحتاج إليه المجتمع من حولها، لا أن تظل قابعة في برجها العاجي كصرح علمي منفصل تمامًا على المجتمع الذي حولها.

إضافة إلى أن هناك هدرًا في المال والجهد والوقت في معظم الجامعات، خاصة فيما يتعلق بمرحلة الدكتوراه؛ فكلنا نعلم أن طلاب وطالبات الدكتوراه يتم اختيارهم وفق اختبارات ومقابلات دقيقة، تحدد الأجدر بالدراسة، ثم يتم تدريسهم لمدة لا تقل عن 4 سنوات، وفي الأخير لا تستفيد منهم الجامعة التي خرّجتهم، التي هي الأحق بهم من غيرها.

ولتحقيق الأهداف المطلوبة لجامعاتنا، وحتى تقوم كل جامعة بأدوارها الحقيقية المتمثلة في تخريج طلاب، يلبون حاجة سوق العمل، وتفعيل البحث العلمي لخدمة الجامعة والوطن، وتحقيق الخدمة المجتمعية، فعلى كل جامعة أن تعمل على هيكلة كيانها، ومنحها استقلالاً إداريًّا وماليًّا؛ لتتمكن من تحقيق هذه المتطلبات الثلاثة، التي يتم تطبيقها في أرقى الجامعات بدول العالم. وهذا ما نتمناه في جامعاتنا.. فلماذا هذا الخلل الكبير؟

لذا أعتقد أنه لا بد من اختيار التخصصات لكل جامعة بناء على ما تملكه أو تتطلبه المنطقة، أو المجتمع المحيط بها، أو حتى سياسة الجامعة المتمثلة في حاجة سوق العمل، إضافة لاحتياجات المنطقة على المديَيْن القريب والبعيد؛ لكي تأتي التخصصات ملبية للطموحات والتطلعات لخدمة المجتمع.. فجامعاتنا في حاجة ملحة لإنشاء دبلومات متخصصة (فنية وتقنية)، سواء كانت مدتها سنة، أو سنتين، أو ثلاث سنوات؛ لكي تلبي سوق العمل بصورة فاعلة.. فهذا يدعم اقتصادنا الذي يقوم على الصناعة والمعرفة والتقنية.

وإنشاء هذه التخصصات المفيدة التي تخدم المجتمع وسوق العمل لن يكلف الجامعات ووزارة التعليم كثيرا من المال، بشرط أن يتم إلغاء بعض التخصصات ذات التكلفة العالية، التي لا تقدم خدمة أو فائدة للمجتمع، منها التخصصات في المجالات الإنسانية، والنظرية؛ حتى يمكن أن تحل محلها تخصصات أو دبلومات في المجالات الفنية والتقنية.

ولدينا - والحمد لله - علماء ومبدعون وأساتذة جامعات، يمتلكون الخبرات الطويلة، ومشهود لهم محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا؛ فهم قادرون على تطوير مجالات جامعاتنا، والارتقاء بتخصصاتها، وفق رؤية السعودية 2030، ولكن الأزمة تكمن في كيفية توظيف هذه الخبرات والكفاءات؛ لتستفيد منها جامعاتنا ومجتمعنا.. فهل نرى ذلك قريبًا؟

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org