قصة من "شاهقة القهر".. "الريثي" يعيش في "غار" لا يصله إلا بالتسلق لساعات

زوجته تُنقل على أكتاف أبنائها لتحصل على علاجها المتمثل في "جرعات كيماوي"
قصة من "شاهقة القهر".. "الريثي" يعيش في "غار" لا يصله إلا بالتسلق لساعات

أعرب رئيس مركز جبل القهر، جابر يحيى، عن استعداده للمرافقة في جولة قامت بها "سبق" للوقوف على التفاصيل الكاملة للمسنّ "الريثي" الذي يعيش في "غار" لا يصله إلا من خلال التسلق لساعات.

ولم تكن هذه هي الزيارة الأولى لرئيس المركز لأسرة "الريثي"؛ حيث وقف على حالة الأسرة وتمعن في احتياجاتها سابقاً واتخذ الإجراءات النظامية.

وأكد "يحيى" في حديثه لـ"سبق" أن الجهات المعنية ستقوم بواجبها حيال الأسرة.

ولقد كان الطريق محفوفاً بالمخاطر والسقوط منه إلى الدرك الأسفل من الهاوية قد يحدث في رمشة جفن، منحدراته شاهقة ولم تصل إليها المشاريع بعد؛ فالمسافة من قمة القهر إلى القمة الشامية لا تكاد تعبرها بسلام دون أن تتخبط في أركان المركبة، وتحتاج لوقت لا يقل عن ساعة حتى تعبر هذا الطريق الذي لا يزيد على 15 كيلاً؛ لكن ما بعد الشامية تبدأ قصة تمتزج فيها الغرابة والألم؛ حيث انطلقت "سبق" في جولة بدأها المحرر في الثامنة صباحاً حتى التاسعة ليلاً للوقوف على عدة قصص.

ولكن القصة التي نشأت فيما وراء القهر والشامية استغرقت الوقت الأطول، كان ميدانها على أرض طوّقتها صخور أعلى قمة في جبل القهر ولم تدع إلا فتحة واحدة؛ ولكنها تتجه نحو السماء لا ترى منها إلا السحاب وجبال أخرى في المحافظة.

ومن أجل الوصول لميدان هذه القصة لا بد أن تتوقف المركبات قبله بعدة كيلو مترات، وتبدأ مسيرة تسلق ومجازفة، أو أن تصل له عبر الطيران! حيث تدور القصة حول السبعيني يحيى الريثي الذي يعيش مع بعض أفراد أسرته، في معزل عن العالم داخل مغارة رممها والده قبل مائة عام وسكن بها، وملامحه تتشكل من الصبر والجلد في خوض رحلة على مشارف الهاوية عدة مرات في اليوم يسلكون فيها طريقاً لم يكن ليطلق عليه طريق.

ولم يكن المسنّ السعودي ليقبل ويغادر الجبل على الرغم من مرضه بالربو الحاد الذي يستخدم لأجل تخفيفه يومياً الأدوية ولكن حاله ليس بأفضل من حال زوجته الستينية التي تعاني من السرطان والصرع، ولكنها تأبى مغادرة الجبل إلا للعلاج في منطقة الرياض ثم تعود لتعيش حياتها وكأنها ترفض الأسوار والأبواب والبرد المصنوع، وتعيش في فضاء مفتوح بين أكتاف قمة شاهقة باردة، ولكن عند أزماتها المرضية تعود على ذاكرة الأسرة معاناة الطريق؛ إذ يضطر الأبناء لحمل والدتهم على الأكتاف وعبور المنحدرات الشاهقة -التي لا تصلها السيارات- إلى أقرب نقطة تصلها المركبات رباعية الدفع، ومن ثم ينقلونها في رحلة شاقة بين طرقات الشامية والقهر وصولاً إلى محافظة الريث.

وخلال تلك الجولة وفي رحلة التسلق نحو منزل يحيى الريثي التي استغرقت نحو أربع ساعات، مواقع لقصص السقوط في الهاوية، ومن تلك القصص التي عايشها، حادثة سقوط ابنه ذي الـ14 عاماً، حينما كان عائداً من مدرسة الشامية وسقط من أعلى الجبل بمسافة تقارب 400 متر، ونقل على إثرها للمستشفى وعاش في غيبوبة مؤقتة ثم نهص وعاد ليعيش حياته الطبيعية، وكذلك ذكريات وآثار لسابقيه من أهله يسرد بعض حكاياتها العم يحيى بلغة الحنين وملامح الأنين، وكأنها تأسره في ذلك الموقع الذي لم يسبق أن وصلته كهرباء وماء نقي أو حتى سيارة.

وقال "الريثي" لـ"سبق": كل المعاناة التي أعانيها مع أفراد أسرتي بسبب أنه لا يوجد طريق لمنزلي، ولا أرغب في تركه؛ فمنذ عقود وأنا أنعم بالعيش هنا؛ لكن الظروف تغيرت وتكالبت الأمراض عليّ وزوجتي، والأمل في أن يتم شق طريق يصل إلى منزلي هنا حتى تسهل علينا الخروج والدخول باطمئنان.

وعن سكنه في مغارة صغيرة؛ أوضح أن ترميمها كان من هذه الصخور المحيطة وسقفها من خشب الأشجار المحيطة، فمن الصعب أن يتم إدخال مواد البناء إلى هذا المكان دون طريق.

وحول حديثه عن صعوبة إيصال الطريق لموقعه وأفضلية خروجه، قال: المسافة التي بيني وبين الشامية عدة كيلوات، والمعدات تعمل على إيصال الطريق باتجاه الشامية، فمن يوصل الطريق إلى الشامية بصعوبة المنحدرات والمواقع لن تعجزه هذه الكيلو مترات إلى منزلي خلف الشامية في الموقع المسمى بالمحرد.

وأكد "محمد" نجل يحيى الريثي أن والده يرفض المغادرة ويعاني من الربو الحاد؛ مشيراً إلى أنه لا يملك سيارة ويتنقل سيراً على قدمه ويعيش في حالة مادية متردية؛ كونه لم يعد قادراً على بيع وشراء المواشي؛ بل اكتفى بحليبها ومبلغ الضمان الاجتماعي.

وأوضح أن فِرَق الضمان الاجتماعي قد وقفت على حالته في وقت سابق؛ مناشداً أن تتم مساعدته بما يسد حاجته مع أسرته لعدم كفاية مخصص الضمان؛ مشيراً إلى أن الكهرباء لم يصلهم بعد، ويعيشون حياة قاسية بسبب ذلك مع بعض أفراد الأسرة.

وفي طريق "سبق"، رصدت قرية الواديين وما يعانيه عابروه من ضيق وحُفَر واضطرار السكان لتمهيده على حسابهم الخاص، بين كل فترة وأخرى، فأملهم المعلق على الطريق الذي يتم شقه في الجبل من أجل الوصول للشامية، أخذ وقتاً طويلاً، ولا يزال المقاول في قمة الجبل لصعوبة الموقع الجديد الذي يتم شقه، فيما يعيش السكان مأساة تكلفة تعبيد الطريق، وأخرى تكلف مبالغ باهظة لوصول المياه إليهم عبر صهاريج تجارية أو تكاليف معدات سحب مياه الآبار والبرك، ويناشد السكان الوزارات المعنية تقديم الخدمات لهم.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org