فَرَسُ جرير.. ورؤية 2030 !!

فَرَسُ جرير.. ورؤية 2030 !!

ورد في الأثر قصة عجيبة فريدة من نوعها، تمثل منهج حياة لتطوير الأمم!! فدعونا نتأملها سوية، ثم نرى ما علاقتها برؤية 2030!!

فقد روى أبو القاسم الطبراني أن جَريرًا أمر مولاه بأن يشتري له فرسًا؛ فاشترى له فرسًا بثلاثمائة درهم، وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس: فرسك خير من ثلاثمائة درهم، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال: ذلك إليك يا أبا عبدالله. فقال: فرسك خير من ذلك، أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة فمائة، وصاحبه يرضى، وجرير يقول: فرسك خير.. إلى أن بلغ ثمانمائة درهم، فاشتراه بها، فقيل له في ذلك، فقال: "إني بايعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النصح لكل مسلم".

هذا الحس الإسلامي القيمي المرهف هو جوهر العزة والتمكين للمسلمين. وبذلك الحس المرهف المبني على الشفافية والصدق مع الذات والآخر استطاع الإسلام أن يصل لأصقاع الأرض، ويدخل فيه الملايين طوعًا وحبًّا له.

وهذا الحِسُّ المتشرب بالصدق والإخلاص للآخرين، حتى لو كان ذلك على حساب الذات ومصالحها، هو المقوم الرئيس للنهضة الإسلامية وسيادة المسلمين على العالم خلال قرون طويلة. وهو حِسٌّ نابع من صلب الهدي النبوي.

وهو الحس النبوي ذاته الذي ينص على أنه "لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه"، وهو أيضًا المنبع ذاته المشار له في القاعدة النبوية الإدارية "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". فلولا صبغة الإتقان التي يتمتع بها ذلك الصحابي الجليل لما تملك شغاف قلبه إتقان عملية بيع الفرس بشمولية ومصداقية وشفافية، تتعدى مصلحته لمصلحة الآخرين.

والسؤال الكبير بكِبَر وطننا الغالي يقول: أين نحن المواطنين من هذا الإحساس المرهف المليء بالصدق والإخلاص والشفافية والإتقان مع النفس ومع الآخرين؟ لنتخيل لو أن كل مواطن يملك ويعمل بذلك الحس المرهف، أين سنكون؟ وإلى أين سنصل؟

قطعًا مجتمعنا فيه الخير، لكن إلى أي مدى يصل لذلك الحِسِّ المرهف المُتْقَن؟ وبلا شك لو عشنا ذلك واقعًا نحياه صباح مساء لأصبحنا قادة الأمم، وصنّاع الحضارة المادية والقيمية القائمة على العدالة والإتقان والرحمة.

تنص رؤية 2030 بأننا نحيا وفق مبادئنا الإسلامية التي تمثل منهج حياة لنا، ومرجعنا في كل أنظمتنا وأعمالنا وقراراتنا وتوجهاتنا.. وتشير إلى أن نقطة انطلاقتنا نحو تحقيق الرؤية هي العمل بتلك المبادئ الإسلامية، بما في ذلك مبادئ الوسطية والتسامح وقيم الإتقان والانضباط والعدالة والشفافيّة التي تُشكل مرتكزاتنا الأساسية لتحقيق التنمية في شتّى المجالات.

وفي بُعد آخر تنص الرؤية على أنها تسعى إلى العمل وفق معايير عالية من الشفافية والمساءلة والحوكمة الرشيدة معتمدة على ثقافة الأداء في جميع أعمالها، وأنها لن تتهاون أو تتسامح مطلقًا مع الفساد بكل مستوياته.. وسيشمل ذلك اتخاذ كل ما هو ممكن لتفعيل معايير عالية من المحاسبة والمساءلة.

هذه المنطلقات القيمية في الرؤية تجعلنا نتساءل: أين دور القطاع الإعلامي والتعليمي والدعوي والاجتماعي في تحقيق وترسيخ تلك القيم والمبادئ؟ أين البرامج والمبادرات الوطنية المصنوعة بأعلى معايير الاحترافية والعمل المؤسسي لزرع قيم الإخلاص والشفافية والإتقان والانضباط في حياة كل مواطن مهما صَغُر أو كَبُر؟

متى نجد مثل جرير وفرسه في قطاعاتنا الحكومية، بل في كل مدرسة وجامعة ومركز أو إدارة حكومية أو إعلامية؛ لتكون تلك القيم هي المحرك الرئيس لسياساتنا واستراتيجياتنا؟

وفي المقابل، نرى بكل ألم وأسف بعض الاجتهادات الفردية الخاطئة من بعض القطاعات في أنشطتها التي تتعارض مع مبادئنا لتصيب شريحة كبيرة من المجتمع بالإحباط، وكأننا لا يمكن أن نأخذ إيجابيات الحضارة الغربية إلا بأخذ مساوئها معها كتلة واحدة!!

على كلٍّ، فالطريق لتحقيق أهداف الرؤية القيمية طويلة، لكنها غير مستحيلة أمام قيادة رشيدة، يقودها ملك العزم والحزم سلمان بن عبدالعزيز، وينفذها ويلهمها ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وفي مجتمع متعطش لذلك، وراغب فيها.

ولعل أول الطريق تأهيل مزيد من القيادات الوطنية المؤهلة تأهيلاً عاليًا في القطاعات الحكومية ممن تؤمن بمبدأ "الإتقان" و"الشفافية" و"المصداقية"، ومبدأ "أن تحبَّ لأخيك ما تحبه لنفسك"، وتبني مبادرات قيمية وطنية احترافية، تدخل في أعماق قيمنا وثوابتنا.. فهل يمكن تحقيق ذلك؟

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org