طبق من ذهب ثم زلزال.. ماذا فعل ولي العهد لتتلقى إيران هذه الصفعة المذلة بالعراق

بينما كانت "بغداد" تغرق بالطائفية قررت السعودية النأي بالنفس لترصد وتتابع وتخطط
طبق من ذهب ثم زلزال.. ماذا فعل ولي العهد لتتلقى إيران هذه الصفعة المذلة بالعراق

شكلت سياسة الانكفاء السعودي على نفسها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، علامات استفهام كبيرة لدى صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فالسعودية لم تكن راضية عن الغزو الأمريكي للعراق؛ بل أسماه الملك الراحل عبدالله بن العزيز بالاحتلال الأمريكي، وقال في تصريحاته الشهيرة في القمة العربية التاسعة عشر في الرياض عام 2007: ''في العراق الحبيب تراق الدماء بين الإخوة في ظل احتلال أجنبي غير مشروع''·

وأضاف أن ''الطائفية البغيضة تهدد بحرب أهلية في هذا البلد''، وهي التصريحات التي أربكت صناع القرار في إدارة "بوش" آنذاك، لقد كانت السعودية تراقب المشهد العراقي عن قرب في وقت حبست المنطقة فيه أنفاسها بسبب التدخل الإيراني في العراق، وارتفاع مستوى الصراع الطائفي والقتل على الهوية، وانتشار الميلشيات الشيعية، وارتفاع شأن التنظيمات السنية المتطرفة بزعامة الزرقاوي، وبات العراق يرزح تحت احتلالين؛ أمريكي واضح، وإيراني خفي؛ وهو الوضع الذي أغضب السعودية كثيراً.

طبق من ذهب

ووصف وزير الخارجية السعودية الراحل الأمير سعود الفيصل، الوضعَ في تلك الحقبة بالقول: "لقد سلّمت أمريكا العراق على طبق من ذهب"؛ لكن المسؤولين الأمريكيين لم تَرُق لهم هذه التصريحات، وطلبوا من السعودية التدخل في الملف العراقي؛ إلا أن السعودية أصرت على سياسة النأي بالنفس؛ خشية تفاقم الأوضاع الطائفية!

الأسلم والفوضى

وبالفعل كانت هذه السياسة هي الأسلم؛ فبعد ترك السعودية الساحة للإيرانيين طوال ١٥ عاماً مضت سقط فيها العراق في وحل الطائفية والفساد وغياب العدالة، وانتشرت الميلشيات، وضَعُفت الحكومة المركزية، واجتاح تنظيم داعش نصف العراق الذي كان تحت قيادة رجل إيران نوري المالكي، وانغمس العراق في الفوضى الإيرانية؛ حتى إن صحيفة "نيويورك تايمز" وصفت العراق حينها بأنه تحت الوصاية الإيرانية طولاً وعرضاً وليس سهلاً إزاحتها من المشهد العراقي!

ونجحت الاستراتيجية

ونتيجة للفوضى السائدة في تلك الفترة، أدرك العراقيون أخيراً أن إيران هي سبب أزمات العراق الدامية، وخرج عشرات الآلاف من العراقيين الشيعة الغاضبين في تظاهرات عارمة أمام المنطقة الخضراء يهتفون لأول مرة علناً بطرد إيران من العراق وينادون بعودة العراق للحضن العربي؛ وهو الأمر الذي رأت فيه السعودية إشارات واضحة على نجاح الاستراتيجية السعودية التي أسهمت في فضح سلوك إيران في العراق، وقلّصت هامش المناورة الإيرانية في هذا البلد الثري!

السياسة الجديدة

وفي العام 2015، قررت السعودية -بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان- أن الوقت قد حان للعودة إلى العراق؛ فقامت بتعيين ثامر السبهان كأول سفير سعودي لها بعد قطيعة دامت ٢٥ عاماً؛ معلنة استراتيجية جديدة تقوم على علاقات ودية عربية تسودها المحبة وحسن الجوار؛ وهي الاستراتيجية التي ظهرت نتائجها سريعاً على الأوضاع في العراق؛ حيث أشار تقرير لمجلة "إيكونوميست Economist" إلى أن توطيد العلاقات السعودية العراقية يؤرق إيران التي تخشى انحسار نفوذها في العراق وابتعاد بغداد عنها؛ وهو ما دفعها لاتخاذ تحركات مع حلفائها في العراق ضد هذا التقارب.

قلق إيران

لم يبدأ قلق إيران مع توطيد العلاقات بين الرياض وبغداد في الآونة الأخيرة، والذي تُرجم بقرار إعادة افتتاح القنصلية السعودية في البصرة وإقامة مباراة تاريخية بين فريقيْ البلدين في استاد المدينة، وكذلك باستئناف الرحلات الجوية والعلاقات التجارية.

وبحسب التقرير؛ فإن قلق إيران بدأ منذ حطت طائرة رئيس الوزراء العراقي في الرياض في أكتوبر 2017 الماضي؛ حيث لم تُخفِ طهران قلقها من انحسار النفوذ الإيراني تدريجياً، وفيما ترتاح واشنطن لهذه التغيرات؛ تبذل إيران جهودها لعرقلة التقارب؛ فتحركت مع حلفائها العراقيين للترويج بأن هذا التقارب خطر على المذاهب، وقامت بإثارة نزاعات عشائرية في جنوب العراق، كما سعت لتشكيل حكومة مستقبلية ضد التقارب.

اعتبرت المجلة أن السياسة السعودية الجديدة تُحقق عموماً نجاحاً لدى العراقيين الذين خاضوا أشرس حرب ضد إيران في الثمانينيات؛ لكن جني ثمار هذا التقارب يتطلب صبراً ووقتاً.

زلزال هز المنطقة

وبالفعل، تُدرك السعودية حساسية الأوضاع في العراق وبدأت التعامل مع العراق وفق رغباته التي تتلخص في استقلال القرار العرقي عن إيران، وتحت هذه الرغبة؛ زار مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري ولي العهد السعودي في جدة وناقشا مجمل الأوضاع في العراق، ووصفت وكالة "رويترز" هذا الاجتماع بالزلزال الذي هز المنطقة.

وقالت في تقرير لها: "كان اجتماعاً غير عادي.. رجل دين شيعي عراقي يجاهر بعداء الولايات المتحدة يجلس في قصر ويحتسي العصير بدعوة من ولي عهد المملكة العربية السعودية أهم حليف لواشنطن في الشرق الأوسط.

وتابعت: وعلى الرغم من كل الأمور غير المنطقية التي تحيط بالاجتماع؛ فإن الدوافع وراء الاجتماع الذي تم في 30 يوليو الماضي في مدينة جدة بين رجل الدين مقتدى الصدر وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قوية، وترتكز على مصلحة مشتركة في التصدي للنفوذ الإيراني في العراق.

وأضاف التقرير: "وبالنسبة للصدر الذي لديه قاعدة كبيرة من الأنصار بين الفقراء في بغداد ومدن جنوب العراق؛ كان الاجتماع جزءاً من المساعي لتعزيز صورته العربية والقومية قبل انتخابات يواجه فيها خصوماً شيعة مقربين من إيران".

انحسار نفوذ الملالي

وبشكل لا لبس فيه؛ فقد انعكس انفتاح مقتدى الصدر على محيطه العربي -وخصوصاً السعودية- على نتائج الانتخابات العراقية، وحققت قائمة "سائرون بقيادته" المركز الأول في الانتخابات العراقية، كما حقق حيدر العبادي رئيس وزراء العراق الحالي الذي نأى بنفسه عن حليف إيران نوري المالكي، نتائج متقدمة وجاء في المركز الثالث خلف قائمة الفتح تحت قيادة هادي العامري رجل إيران في العراق!

الصفعة المذلة لإيران

نتائج الانتخابات العراقية اعتُبِرت بمثابة الصفعة المذلة لإيران بعد سنوات من عبثها بالأمن العراقي، وتدخلاتها الطائفية هناك، ومصادرة القرار السيادي للعراق، وخرجت الجماهير المبتهجة في شوارع بغداد محتفلة بنتائج الانتخابات، ورددت شعارات تُطالب بخروج إيران من العراق؛ لكن هزيمة النفوذ الإيراني في العراق ليس بالأمر السهل؛ حيث يتحرك قاسم سليماني منذ أسابيع داخل المنطقة الخضراء محاولاً الالتفاف على نتائج الانتخابات، وعرضت إيران على إياد علاوي -وهو شيعي معارض للتدخل الإيراني- رئاسة الحكومة، وهو الرجل الذي طالما اتهم إيران بتدمير العراق.. التحرك الإيراني الجديد يثبت أن إيران تريد لملمة خسائرها في العراق، وما كان سابقاً من المحرمات باتت تقبله اليوم!

الاختراق الاقتصادي

النجاح السعودي وإن لم يكتمل حتى الآن؛ تَبِعه اختراق اقتصادي لا يقل أهمية عن الاختراق السياسي؛ فقد أعلن رئيس هيئة صناعة وتجارة الشباب الإيرانية رضا أميدوار تجريشي، أن إيران بدأت تخسر السوق العراقية لصالح السعودية، قائلاً إن السلطات العراقية لا تسمح بدخول الشاحنات الإيرانية المحملة بالبضائع، ونقلت وكالة "إيلنا" العمالية الإيرانية عن تجريشي قوله: "إن طهران تخسر مكانتها الاقتصادية في بغداد، وإن السعودية باتت تحل محلها".

كما انتقد "تجريشي" الإنفاق الإيراني العسكري في العراق؛ بينما منافع العراق الاقتصادية أصبحت من نصيب السعودية، واعتبر أن الاتفاق بين المملكة العربية السعودية والعراق حول خفض الرسوم الجمركية؛ أدى إلى فقدان السوق العراقية بالنسبة للشركات الإيرانية، وقال رئيس هيئة صناعة وتجارة الشباب الإيرانية: إن المملكة العربية السعودية هي من تؤمّن حالياً حاجات العراق من الإسمنت، بعدما كانت إيران تفعل ذلك وقد توقف بسبب ارتفاع التكاليف الجمركية.

نجاح ولي العهد

وتُظهر هذه التصريحات أن الاستراتيجية السعوية تجاه العراق بقيادة ولي العهد السعودي؛ تُحقق نجاحاً أكثر مما هو متوقع، كما أن سياسة النأي بالنفس السابقة، حققت نتائج عميقة، ولم يكن يتصور أشد المتفائلين أن يلعب المنتخب السعودي مباراة كرة قدم في مدينة البصرة العراقية ذات الأغلبية الشيعية وسط حضورعشرات الآلاف من المشجعين العراقيين؛ حاملين أعلام السعودية، ويرددون هتافات داعمة ومشجعة للسعودية، وهي الخطوة التي أشاد بها ولي العهد السعودي، واعتبرها مؤشراً مشجعاً على بداية انحسار النفوذ الإيراني في العراق.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org