هاشتاق البلدية.. "عش رجبًا تر عجبًا"!

هاشتاق البلدية.. "عش رجبًا تر عجبًا"!

أطلقت وزارة البلدية وسومًا على تويتر هي:

#التشوه البصري.. #القطاع البلدي ينهي إصلاح ٢٨٢٤٧٣ عمود إنارة.. #الارتقاء بالأداء البلدي..#تحسين المشهد الحضري..#كذا أحلى.

تلتها أمانات المناطق بهاشتاقات، #معالجة التشوه البصري.. #غذاؤكم أمانة.. #بالصور.

طبعًا أنزلوا صور الدوام الميداني لوكيل الأمين، ومعه طاقم إعلامي، ثم قامت بقية الأمانات باتباع أسلوب الوزارة..

نريد أن نفهم من مقام الوزارة.. هل هذه الوسوم ضمن استراتيجية الوزارة قصيرة أو طويلة المدى، بأهداف مقاسة ضمن وثيقة، يتم بموجبها معايرة أداء كل أمين وإدارته، أم هي برنامج منافسة بين الأمانات للإبداع؟

ما شاهده متابعو تويتر، وربما فهموه، كأنه "شو" إعلامي، وأن الوزارة اكتشفت للتو أن مهامها ووظيفتها هي البناء الحضري للمدن، ومنع التشوهات البصرية، مع مراقبة المطاعم والأسواق، وتنسيق الحدائق، إلى جانب إنارة الشوارع "ليلاً"، ونظافة الأحياء وما حول الحاويات، فالرصد والترصيف!

الأمانات وثقت نزول المهندسين لأول مرة إلى الميدان لمتابعة المشاريع..!

"عش رجبًا تر عجبًا"..

يروى هذا المثل عن الحارث بن عباد بن قيس بن ثعلبة، وكان ذا مكانة ومُلك في قومه. وقد طلق بعض نسائه بعدما تجاوز في العمر، وأصابه الخرف، فتزوجها بعده رجل، كانت تُظهر له من المودة والحب ما لم تكن تظهره لزوجها (الحارث) من قبل؛ فلقي زوجها الحارث ذات يوم فأخبره بمنزلته الكريمة من زوجته، فقال له الحارث: "عش رجبًا تر عجبًا".

والمعنى: "عش رجبًا بعد رجب فسيظهر لك في الحياة العجب".

هذا المثل يتجدد، ولا يمكن أن يبلى معناه، ولربما كان كل إنسان بحاجة إلى الاستشهاد به ذات يوم؛ لأن الحياة في مسيرتها المتجددة لا يمكن أن تخلو من العجائب في كل الجوانب، فمن قدر الله له فيها عيشًا طويلاً فسوف يرى من تقلُّب أحوالها ما يثير العجب.

صوروني أنا مداوم

الملاحظ أن كل مسؤول في البلد يصاحبه مصور وإعلامي لتصوير جولاته "المفاجئة"..

طبعًا تصوير المدير في اجتماعاته طول اليوم.. ثم تصويره وهو يتلقى شكاوى الناس (هذا إذا سمح لهم بمقابلته)؛ لأنه في اجتماع.

يتم نشر صوره في جميع الصحف الإلكترونية والورقية ووسائل التواصل الاجتماعي، في حين أن المذكور ربما لم يتفقد مكاتب وأداء موظفيه ولو مرة واحدة.. ويسأل عن معاملات الناس المتناثرة على مكاتبهم..

تلكم القيادات تعيش داخل الزمن؛ فلا تعلم ما يدور خارجه!

يعملون بلا رقابة.. أو إدارة أهداف.. صورهم بالصحف أكثر من اللاعبين والممثلين..

لقد أصبح الواجب الوظيفي مناسبات وتصويرًا، وناطقًا إعلاميًّا.. وعندما تسأل عن الحال تجاب: الوزارة كلها كذا..

فلا يستقيم الظل والعود أعوج.

ألا توجد جهة عامة توقف هدر المال والوقت وتسطيح العقول؟!

ماذا تبقى يا أصحاب المعالي؟

إننا لا نستنكر إلا ما كان مستنكرًا.. خارج حدود العقل والقيم الوظيفية..

هل يفرح المسؤولون بألبومات الصور وعروض البوربوينت والجرافيكس؟.. بينما الشوارع والحدائق في أسوأ حالاتها، والمشاريع متعثرة منذ سنين؟

أظنهم لن يأنسوا إلا إذا أُنجزت معاملات الناس المعطلة منذ شهور، والموظف غائب!

سوف يرضون إن وصلت الخدمات للمواطنين كافة على كامل تراب الوطن..

أكيد سيكتب القاصي والداني عن إنجازاتكم إن كانت خارقة للعادة.

أما دغدغة المشاعر بصور وهاشتاقات، هي من صميم وظيفتكم، فهو مجال تندر دولي على تويتر.. وسينقلب السحر يومًا على الساحر.

الشعب واعٍ.. وولاة الأمر يراقبون.. وأمراء المناطق ونوابهم لا تنطلي عليهم التقارير الملونة والإنفوجرافكس..

إنهم يتجولون - يحفظهم الله - سرًّا بأنفسهم، خارج أوقات دوامهم.. بلا مواكب وحرس، أو إيحاء من فلان لزيارة منطقة أو شارع دون آخر..

إنهم يرون بعيونهم وليس بعيونكم، كما يسمعون بآذانهم لا بآذان غيرهم.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org