"الكلباني" من منبر الجمعة: السعودية نخلة الإسلام.. جذر ثابت يرعب المتربصين

قال: تحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين بالنوائب.. باسقة ضد الإرهاب
"الكلباني" من منبر الجمعة: السعودية نخلة الإسلام.. جذر ثابت يرعب المتربصين

وصف إمام وخطيب جامع "عبدالمحسن المحيسن" بالرياض عادل بن سالم الكلباني، السعودية بـ"النخلة"، عندما خصص خطبته لهذا اليوم الجمعة عن حب الوطن ودور الوطن في بسط أيادي الخير لكل بقاع العالم، وقال: "هي بلاد النخل، وهي نخلة الإسلام، باسقة الجذع، ثابتة الجذر، يانعة الثمر".

واستهل "الكلباني" الخطبة بقوله: أيها الأحبة: في مجلس تحفه الملائكة، وتغشاه الرحمة، وترعاه عين الله، يجلس الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه الكرام، رضي الله عنهم، فيلقي صلوات الله وسلامه على الأصحاب سؤالاً، ومن عادته أن يثري عقلوهم بمثل هذه الأسئلة ليرسخ الجواب في فيها، ويثبت في قلوبهم، فيعلق بها مهما طال به الزمان. وأمثلة هذا كثيرة منها ما كان في هذا المجلس، إذ قال صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: أَخْبِرُونِي بشَجَرَةٍ مَثَلُها مَثَلُ المُسْلِمِ، تُؤْتي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بإذْنِ رَبِّها، ولا تَحُتُّ ورَقَها فَوَقَعَ في نَفْسِي أنَّها النَّخْلَةُ، فَكَرِهْتُ أنْ أتَكَلَّمَ، وثَمَّ أبو بَكْرٍ وعُمَرُ، فَلَمَّا لَمْ يَتَكَلَّما، قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هي النَّخْلَةُ، فَلَمَّا خَرَجْتُ مع أبِي قُلتُ: يا أبَتاهُ، وقَعَ في نَفْسِي أنَّها النَّخْلَةُ، قالَ: ما مَنَعَكَ أنْ تَقُولَها، لو كُنْتَ قُلْتَها كانَ أحَبَّ إلَيَّ مِن كَذا وكَذا، قالَ: ما مَنَعَنِي إلَّا أنِّي لَمْ أرَكَ ولا أبا بَكْرٍ تَكَلَّمْتُما فَكَرِهْتُ. مخرج في الصحيحين.

وتابع: "لست أريد الحديث عن فقه الحديث، ولا عن فوائده، ولكني أردت استلال التشبيه منه، فإن حبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم شبه النخلة بالمسلم، أو شبه المسلم بالنخلة، قال القرطبي: فوقع التشبيه بينهما من جهة أن أصل دين المسلم ثابت، وأن ما يصدر عنه من العلوم والخير قوت للأرواح مستطاب، وأنه لا يزال مستورا بدينه. اهـ".

وعند البزار من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مثل المؤمن كالنخلة، ما أتاك منها نفعك. قال ابن حجر: وإسناده صحيح. وقال في ذكر فوائد الحديث: وفيه ضرب الأمثال والأشباه لزيادة الإفهام. وتصوير المعاني لترسخ في الذهن. ولتحديد الفكر في النظر في حكم الحادثة. وفيه إشارة إلى أن تشبيه الشيء بالشيء لا يلزم أن يكون نظيره من جميع وجوهه.

وقال "الكلباني": "أيها الأحبة إن بلادنا المحروسة، المملكة العربية السعودية، حفظها الله، هي مأرز الإيمان، ومنطلق الإسلام، هي عموده، وهي سرادقه، وهي مائدته التي يقتات منها، وهي حصنه الذي يأوي إليه، وهي مدده الذي يمد أنهاره، ويسقي أشجاره، ويثري ثماره، هي بلاد النخل، وهي نخلة الإسلام، باسقة الجذع، ثابتة الجذر، يانعة الثمر. وإذ أدرك الأعداء للدين عظيم مكانتها، وبالغ تأثيرها في المسلمين، وتعلق قلوب المؤمنين بها، رموها عن قوس واحدة، يريدون النيل منها، وإضعاف سيرها، ومنع تدفق الخير منها، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم. وقد غاظهم ما تنعم فيه من أمن واستقرار، ووحدة، وتطور، وازدهار.

وأردف في معرض خطبته: "ليس حديثًا ما تعانيه من تسلط العدو بوجهه وشخصيته أحيانًا، ومستترًا خلف قناع في أحيان أخرى، أو مستعينا بالجاهلين من أبنائها، لينفذوا أجندته، ويقوموا بما عجز عنه ويعجز. فعانت البلاد من ضربات الإرهاب وتفجيراته، ونالها ما نالها من تأثيراته، ففقدت من خيرة رجالها، ومن بعض ممتلكاتها، ولكنهم لم يستطيعوا أن ينالوا من ثباتها، واستقرارها، فرجع الإرهاب بخفي حنين. يجر أذيال الخيبة، وينكس رأسه خاشعًا من الذل".

وبين: "بقيت المملكة عزيزة قوية متماسكة صلبة، كجبال طويق، وسلسلة السروات، وأجا وسلمى، متنوعة الخيرات كتنوع أرضها، ما بين نفوذ وجبال ورياض وسهول، وأودية، وكنوز تحت أرضها تزخر بالخيرات، الزراعية والنفطية والمعدنية وغيرها، ومع اختلاف تضاريسها، واختلاف مدنها وتباعدها، إلا أنها استطاعت أن تبقى موحدة، على منهاج النبوة، عقيدة وشريعة وسلوكًا. فكانت ولله الحمد والمنة وما زالت وستبقى حاضنة الإسلام، مثال الاعتدال والوسطية".

أيها الأحبة: ليس بمستغرب أن تلقى الحجارة على الأشجار المثمرة، ولكن من عرف الزرع يعلم أن النخل لا يرمى بالحجر، بل يخرف ثمره، ويستفاد من كل جزء منه، ولا يستغنى عن شيء فيه. وهكذا كانت المملكة سنين عددًا، بل عقودًا طويلة، ترعى أحوال المسلمين، وتؤي مشردهم، وتعين مستضعفهم، وتمد يد العون إلى المكروب منهم، تحمل صفات من خير الخليقة ونبراسها، صلى الله عليه وآله، حين وصفته زوجه خديجة رضي الله عنه في أول يوم من بعثته فقالت عنه: أبْشِرْ فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، فَوَاللَّهِ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ. متفق عليه.

وقد كانت المملكة عبر سنينها كلها، تصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. وكانت وما زالت تلك النخلة الباسقة، تغدق بخيراتها على كل من حولها.

فلئن أصيبت في جزء منها فإنها جراح سرعان ما تضمدها، وتبقى ندبتها تذكرها بخيانة الأقربين، وعداوة الحاسدين، وتربص الحاقدين، وتخطيط المخربين، لكنها أبدا لا تفت عضدها، ولا تزعزع ثباتها، ولا توقف إنتاجها، فسيبقى طلعها نضيدا، هضيمًا للمستحقين من أهل الحق والعدل والإنصاف، وصديدا يتجرعه ولا يكاد يسيغه كل من ملأ الحقد قلبه، وتلوثت بالشر يدُه، وخاضت في الخيانة رجلاه.

وستبقى رايتها خفاقة، يزعج صوت رفيفها آذان المتربصين، ويرعب قلوبهم، ويشرح صدور المحبين، ويشعرهم بالأمان، وستبقى السارية ترفع الخفاق أخضر.

اللهم أسبغ على مملكتنا الحبيبة لباس الأمن والأمان، وأسدل عليها ستار اليقين والإيمان، وانصرها على من أراد بها سوءًا، أو سعى فيها بإفساد، فإنك لا تحب المفسدين، وقد وعدت بنصرك عبادك المؤمنين. فتولنا برعايتك، يا قوي يا متين.

وأضاف في خطبته الثانية: إخوة الدين والعقيدة: نزيف الوطن في بقيق، وخريص بقدر ألمه، وبقدر الخيانة التي أحاطت به، وبقدر تأثيره إلا أنه خير بلا ريب، لا تحسبوه شرا لكم، بل هو خير لكم. فإنه بلا شك سينبه القيادة الرشيدة إلى الاستفادة من الحدث، سياسيًا، وعسكريًا، وأمنيًا، وسيتولى المسؤولون زمام البحث والتحري والعمل الجاد لتدارك النتائج، والإفادة منها، وقد تم، ولله الحمد، ومن ثم تتبع الخيوط التي ستقود إلى المفيد النافع في الحاضر والمستقبل إن شاء الله.

وما يهمنا في مقامنا هذا، هو أن نحرص على أن نبقى لحمة واحدة، يدًا واحدة، جسدًا واحدًا، قلبًا واحدًا، فإن هذا الوطن لم يتوحد بسهولة ولا بيسر، بل بذلت في سبيله مهج، وأموال، رحم الله المؤسس وأعلى منزلته، وجزاه عنا خير الجزاء.

وما كان لينال هذه الرفعة والمكانة في العالم، لولا فضل الله عليه أولاً، ومن ثم ما من الله به عليه من قيادة حكيمة، تتابعت في حمل رايته، وقيادة سفينته في لجج وأمواج، راهن كثيرون على غرقها في حينها، ولكنها ولله الحمد تجاوزت المحن، واستفادت منها في التخطيط، والدراية، حتى وقتنا الحالي، حيث ما يزال الحاقدون يتمنون أن تخرق السفينة فتغرق، ليستولوا على خيراتها، ويغنموا من ثرواتها، تلك أمانيهم، ولكن هيهات هيهات، فإن القائد مؤمن، ومحنك، وساعده قوي أمين، فاجتمعت حنكة الشيوخ وسواعد الشباب وتماسك الجسد، وقوة مناعته من كل فيروسات التفرقة، وميكروبات التخريب، وجراثيم الإفساد، فكانت كالتطعيم للجسد، يستمد منها قوته لمواجهة الصعاب، وتخطي الأمراض. فيبقى الجسد صحيحًا معافى، قويا نشطًا، يواصل مسيرته بكل همة لا ليصل، بل ليحافظ على بقائه في القمة.

واختتم الشيخ عادل الكلباني الخطبة للدعاء لهذا الوطن العظيم: اللهم احفظ بلادنا بحفظك، واكلأها برعايتك، واحرسها بعينك التي لا تنام، واكنفها بركنك الذي لا يضام، ومن أرادها بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، وتدبيره تدميره، واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين. اللهم أعن ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين بعونك، وأمدده بمدد من عندك، وأشدد عضده بولي عهده الأمين، ووفقهما لما في صلاه الإسلام والمسلمين. وهيئ لهما من أمرهما رشدًا، يا ذا الجلال والإكرام.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org