المشاكل الإدارية مثل جبل الجليد، لا يظهر على السطح سوى ١٠٪ من حجمه، و٩٠٪ كامنة في القاع..
مشكلة المنطقة العربية برمتها هي الإدارة؛ فمعظم الممارسات الإدارية المتَّبعة بعيدة عن علم وفن الإدارة..
إن ميزة الجهاز الحكومي لدينا أنه مكتوب في أبهى حلة. يعيبه أنه غير معزَّز بنظام رقابة ذاتية، ومراجعة خارجية فعَّالة..
لقد ظهر مؤخرًا جانب يسير من جبل الجليد المختفي؛ فأدركت الجهات العليا خطورة الأمر على أمن الدولة والمال العام..
لذا فقد صدر مؤخرًا أمر سامٍ باعتماد ضوابط عامةجديدة لاستخدام السيارات الحكومية، وذلك بعد تشكيل لجنة من وزارة المالية لدراسة إساءة استخدامها من جميع الجوانب، وأخرى من وزارة الداخلية لدراسة كثرة البلاغات الواردة عن سرقة سيارات رسمية، يخشى أن يتم استغلالها في عمليات تخريبية.
أؤيد بشدة تأهيل المستوى التنفيذي (للمكلفين بتصريف مهام فروع الوزارة) بالمناطق، وتدريبهم على ممارسات الجودة والمطابقات القياسية؛ فسوف يدركون الحد الأدنى في إدارة التشغيل وإدارة الموارد؛ كي لا يجري تمرير معاملات من تحت أيديهم، كشراء المزيد من السيارات، ومناقلة البنود، أو التصرف في موازنات التشغيل والإمداد والتدريب في غير الوجوه المرصودة لها.
نظام مراقبة المال العام نص على تغطية جميع المركبات الحكومية بأجهزة (تتبُّع)، تنفذه جهة رقابية.. مع ذلك لم يطبق لأسباب مجهولة.. فما فائدته أساسًا إن كانت المركبة في (حوش) الموظف بالشمال وعمله بالغربية..؟!
وآخر موضة للتحايل هي إزالة شعار الجهاز الحكومي من السيارة؛ لتبدو المركبة عادية غير رسمية..
كما أن بعض الأجهزة الحكومية تطبق نظام (تم) لتجنب المخالفات المرورية. أما الحوادث فتتكفل بها الدولة..
الغريب أن سيارات الحكومة بدون تغطية تأمينية..
فالقرارات الحكومية على كثرتها لم تجمع كأدلة مهنية؛ ليتم تصنيفها، ثم تحديثها وتوزيعها على كل الموظفين من باب الثقافة التنظيمية؛ فتظل حبيسة الأدراج (لحاجة في نفس يعقوب قضاها). والمفروض أن يتم تدريب المختصين على تطبيقها، ثم تجري المراجعة والمحاسبة الفاعلة دوريًّا بدون استثناءات وتبريرات..
لا يمكن تمرير إساءة استعمال السيارات الحكومية لبلوغها مرحلة الخطر على أمن الدولة. ولكن لعل تجربة الاستئجار الشهري للاستعمال الرسمي أحد الحلول.. بيد أن التجربة قد تخص الاحتياج للتشغيل الميداني فقط، وليس للإداري. وربما طلاء المركبات الحكومية بألوان الجهاز لتمييزها إن دعت الحاجة إلى وجودها أساسًا واحد من الحلول.
الحوكمة شملت جميع الإجراءات الحكومية؛ فقد تأتي بعد المرسوم على تجاوزات استعمال السيارات الحكومية. وأتوقع توجُّهًا آخر، هو تقليص عدد فروع الوزارات الخدمية ومنافذ الإنفاق النثري بقصد توجيهه للتشغيل والإنتاج.
أخيرًا: يذكر أن بيانًا للمصروفات وصل للمغفور له الملك فيصل من إحدى الإمارات، يطلب اعتماد جلالته عليه. يتضمن البيان قيمة ضيافة مسؤولين زاروا منطقته. فاعتمد الملك المصروفات التشغيلية، وشطب الباقي، وأشَّر جلالته على البيان قائلاً: "ما صرفتموه لضيوفكم هو كرم منكم، لا علاقة للدولة به".