"شاهي بالنعناع"..!!

"شاهي بالنعناع"..!!
لم يألُ الأب جهداً ووقتاً وفكراً وأسلوباً إلا وبذله في محاولة تحفيظ ابنه ذي السنوات السبع نشيد "مدرستي حديقتي وبابها الكتاب" من دروس لغتي للصف الأول الابتدائي، تارة بالتلقين، وأخرى من خلال الأنشودة عبر برنامج اليوتيوب ترديداً وتسميعاً، ومع ذلك لم ينجح رغم تعدد المحاولات والطرق في سبيل ترسيخ النشيد في ذاكرة صغيره..!!
 
 بعد أيام معدودات فوجئ الأب بابنه الصغير يردد بصوته الطفولي البريء "حبيبي شارب شاهي بالنعناع وأنا شاهي أحمر شربوني" حتى نهاية الشيلة باللحن والكلمات دون أن يخطئ بأي حرف منها، أو يخفق في وزنها أثناء الإلقاء..!!
 
العديد من التساؤلات جالت في خاطر الأب على نحو "كيف لطفله أن يحفظ الشيلة بسهولة، وفي وقت قياسي، وبالمقابل عدم مقدرته على حفظ النشيد المدرسي؟ فهل السبب في الصعوبة في التلقي والطريقة أم السهولة في القصيدة والكلمات؟"..!!
 
الأب لم يجد ما ينهي حيرته وغموض الأسئلة بداخله من إجابات، مستذكراً مراحله الدراسية الأولى مطلع الثمانينيات الميلادية من القرن الفائت، وما كان يردد مع زملائه في الفصل من نشيد "صاح الديكُ فوق السور" مقارناً بين النشيدين من سنين، وكيف كانت تمثل الأناشيد حينها للبعض منهم من صعوبة مقارنة بما يسمعون من أغان..!!
 
إن تقبُّل الصغار ومدى أريحيتهم وقبولهم يظل عاملاً مساعداً ومهماً في الإبداع، وسبباً مباشراً في الحفظ؛ وهو ما جعل الطالب ذا السنوات السبع يردد شيلة "الشاهي بالنعناع" بطلاقة، دونما إدراك لمعناها الحقيقي أو تفسيراتها الخفية، في حين عجز عن حفظ على الأقل المقطع الأول من "مدرستي حديقتي"..!!
 
الكثير من الآباء مروا بتجارب مشابهة؛ إذ يرون من أبنائهم مبدعين في العديد من الأمور المختلفة، لكنهم في حفظ الدروس واستيعابها يجدون صعوبة كاملة، نظراً لعامل القبول في نفوسهم، والتقبُّل في أذهانهم بوصوله لأعلى مستوى، وكأن المدارس ودور التعليم مجرد وسيلة عبور؛ وبالتالي لا تعني لهم في كثير من النواحي شيئاً يُذكر..!!
 
إن من يضع الأناشيد للمراحل الابتدائية والصفوف الأولى عليه أن يضع في الحسبان تغيُّر الزمن والظروف، وأن الصعوبة ليست في القصائد والكلمات، وإنما لغرابة المفردات؛ فـ"حديقتي مدرستي وبابها الكتاب" قد تكون صعبة الفهم والتفسير لدى الصغار وهم يتخيلون المشهد لمدارسهم، في حين أن "الشاهي والنعناع" يشعرون بهما ويذوقونهما حلواً في الكثير من الأوقات..!!

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org