نحن شعب عاطفي، نتقبل أي دعاية وإعلان.. نصدِّق الإعلان حتى إن قالوا إن الفيل يطير.. نتردد في المطالبة، ونتراخى عن الحقوق!
"مُر.. راجِع".. تعني أننا لن ننجز معاملتك من أول زيارة، وإنما عليك أن تذوق مُرَّ المراجعة.. المعاملة قد تحتاج لدقائق لكن لا بد من تعذيبك لسنين.. فمن يراقب الأداء، ويستطلع رضا المستفيد؟ ومَن يحاسب؟
الموروث المغروس في عقلية الموظفين أنك "أنت مراجع"، ولست عميلاً أو مستفيدًا أو صاحب مصلحة.. فلكي تصبح (شريكًا) بمعنى stakeholder، أو عميلاً لك حقوق معتبرة، لا بد من تغيير القيم الوظيفية قبل تغيير اللوحات وإطلاق الشعارات والوعود الجوفاء دون رقابة.
من هذا المنظور لا يخلو الإنسان من الحاجة لـ"مراجعة" الجهات العامة لمتابعة عمل تعذر إنجازه إلكترونيًّا.. فيصدم بواقع "الخدمة ليس كما وعدوا به".
ابتداء.. جزء كبير من إجراءات الخدمة ما زال ورقيًّا (معروض على ورقة بيضاء.. ونموذج.. وتأشيرة المدير.. وصادر ووارد ثم مواعيد).. حسب المزاج.. أما الجزء الإلكتروني فهو متاح لمناطق دون أخرى.
السؤال: كيف وصل للمنصب هذا القائد الورقي في زمن التحول، وبهذه العقلية والمستوى من الجدارة؟
فأنَّى يحدث التغيير بمنشأة هذا قائدها؟
ثانيًا: خدمة "عملاء" إدارية مدنية مدفوعة الأجر، مع ذلك لا جودة في الخدمة وعناية بالعملاء..
لا مجال للاعتراض عندها أو الشكوى، تلكما من أدوات قياس الخدمة والتحسين المستمر المفقودة ببعض القطاعات التي تقدم خدمة مدنية!
فما نتوقعه هو تطوير هذه المرافق ضمن برنامج التحول..
* المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة "أداء"
أُنشئ المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة "أداء" كجهة ذات شخصية اعتبارية مستقلة، ترتبط تنظیمیًّا برئيس مجلس الوزراء.
ویعمل مركز "أداء" على قیاس مؤشرات أداء الأجهزة العامة من خلال تطبیق نماذج ومنهجیات وأدوات موحدة لدعم كفایتها وفاعلیتها، وإصدار تقاریر دوریة عن مدى تحقق الأهداف الاستراتیجیة للجهة، وحالة مؤشرات الأداء، ومدى تقدم المبادرات نحو تحقیق رؤیة السعودية، وقياس رضا المستفيدين عن الخدمات الحكومية.
وجود المركز خطوة مهمة في الإصلاح الإداري، بيد أن مهامه تخلو من قياس مدى التزام الجهات العامة بتطبيقات التميز المؤسسي، تدريبًا وتعليمًا وممارسة، بمن فيهم القيادات الإدارية بمستوياتها كافة؛ بهدف توحيد لغة الخطاب والأداء والتوجهات ضمن معايير التميز المؤسسي لدى جميع موظفي الدولة.
ونؤكد وجود القدوة وتأسيس جيل قيادي يقوم على مبادئ القيم وأخلاقيات المهنة.. لبلوغ مستهدفات ٢٠٣٠.
هذه رؤية السعودية ٢٠٣٠ (وطن طموح.. حكومته فاعلة.. أداؤها متميز).. لم أشاهدها معلنة في أي جهة عامة أو غيرها.. هل هذه ممانعة صامتة للعمل بمبادرات الرؤية؟.. إذن، لا نعتب إنْ نأت كل جهة بنفسها، ثم غردت خارج، ولا نتوقع تحولاً ورؤية في موعدهما!
* خدمات العملاء لحظة صدق
عند تعامل المسافر مع شركة طيران فإنه يمر بلحظات صدق عديدة خلال تجربته مع خطوط الطيران؛ فمثلاً عند رغبته في حجز مقعد من محطة إلى أخرى فإن أول لحظات الصدق تحدث عند اتصاله بالمركز الرئيسي للحجز (أو الموقع)، ثم شراء التذاكر.. فذهابه للمطار.. وإيجاد موقف لسيارته.. والذهاب للحصول على بطاقة صعود الطائرة.. ووزن العفش.. والصعود للطائرة.. والتعامل مع مضيفي الطائرة.. والحصول على العفش في محطة الوصول.. أما إن اختفى عفشك في بعض الخطوط فتوقع جوابهم (الله يعوض عليك)، هذا إن ردوا عليك أساسًا!
قِسْ على ذلك تأخير الرحلات، والمماطلة في الاستجابة، وعفوية الأداء!
كل هذه لحظات صدق؛ لذلك يجري حاليًا التقليل من الاتصال البشري أثناء الخدمة باستخدام التقنية، وتكديس الموظفين في جانب آخر، لو استبدلوا بروبوتات ربما كان أجدى وأنفع.. في خطوات متعثرة لخفض التكاليف وتحسين جودة الخدمة وإرضاء العملاء.
لكن تظل لحظات الصدق عالقة في التجربة.. والمحصلة النهائية إما تجربة سارة، وإما تجربة سيئة. ولا تحدثني عن الثقة.
ينطبق هذا المثل على جميع الجهات العامة التي ما زال موظفوها في ٢٠١٨ يتعاملون مع المستفيد (كمراجع) تحت شعار الضيف والعميل.
لا يوجد عمل بلا أخطاء حتى وإن كان إلكترونيًّا.. لكن الإصرار على الخطأ، بل طمس الحقائق، وعدم الاستفادة من شكاوى وملاحظات العملاء، ثم تضليل المستفيد، وربما التستر على المخالفين، يُعتبر لدينا من أبرز عيوب قطاعات الخدمة العامة، وشرخًا خطيرًا في صميم أخلاقيات المهنة؛ لذلك تم وضع قوانين وأنظمة صارمة ضد تجاوزات مقدمي الخدمة، سواء كانت طبية.. هندسية.. إدارية.. أو أي مجال آخر. فعليك أن تعرف حقوقك..
مثال: حقوق المسافرون الذين تتأخر رحلاتهم أو تُلغى. اتفاقية توحيد بعض قواعد النقل الجوي الدولي المعروفة أيضًا باسم اتفاقية مونتريال تلزم الناقل الجوي بالتعويض لكل راكب على الرحلة الملغاة أو المتأخرة، وتعويض مناسب للعفش المفقود.. طبعًا تحاول الشركات التحايل والتهرب لتجنب صرف التعويضات، لكن على المسافرين تقديم شكوى خطية لدى شركة الطيران، ثم يتبعها شكوى للطيران المدني.. فإن لم تستجب الشركة بدفع التعويضات بعد استكمال هذه الخطوات يمكن التقدم بشكوى قضائية لدى المحكمة المختصة.
يسرى الإجراء على الصحة والبلديات والكهرباء والمياه وغيرها.. قد تتعرض للابتزاز والضغوط لكن استمرارك قد ينجح في آخر المطاف بالإصرار وقوة القضاء.