مملكة الإسلام والسلام

مملكة الإسلام والسلام

أكدت المملكة العربية السعودية حرصها على دعم حركة السلم، والإسهام في نشر السلام الإقليمي والعالمي؛ وذلك من خلال جهود قائد مسيرة السلام وخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، في استضافة كثير من الفرقاء على أرضها المباركة ومهبط الوحي الكريم؛ بغرض الصلح والتصالح، وما يعود من ذلك من سلام على الشعوب، وعمار للحياة الاجتماعية والاقتصادية التنموية وتسامح بين كل البشر، وما هذا النهج إلا باب من أعظم أبواب الخير، والله يقول: {والصلح خير}.

وما توقيع اتفاقية جدة الأخير بين الدولتين الأفريقيتين؛ إثيوبيا وإريتيريا إلا دليل عملي على ما ذكرته، مما يحقن الله به الدماء المعصومة، ويلمّ به شعث القلوب، ويعين الله به أبناء البلدين على المشاريع الناجحة، وترك مشاريع الحروب والثارات، والهجرة والتهجير، مما شكل عبئاً على دول مجاورة، وتمزقاً في النسيج المجتمعي للدولتين، من هنا وبهذا العمق أدركت المملكة الحاجة الماسّة للصلح والإصلاح؛ ليسود العالم سلام بناء، وعطف ولطف.

وما مركز الملك عبدالله للحوار بين الأديان، ومركز اعتدال، إلا فرصة حقيقية للحوار الحقيقي البعيد عن كل المؤثرات؛ التي تزعزع بدورها السلام والسلم العالمي، وما هذا الدور النبيل من المملكة إلا مبادرة لزمام السلام، لتسعد به الشعوب، وتزدهر به الحياة، لا كما تفعله دول المليشيات المسلحة المجرمة؛ من إشعال لفتيل العنصرية والطائفية، وكل فتيل يوقد الشغب والفرق، سيراً مع المصالح الذاتية، نعوذ بالله من الخذلان.

فيإسلام سلمنا وسلم لنا وسلم بنا وسلم منا.. اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.. وما كان اتكاء المملكة في هذه المواقف المشرفة إلا على نصوص من الوحي المطهر؛ لأن الإسلام -وهو الدين الخاتم والأخير في العالم- قد أمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وإفراده بالربوبية والألوهية، وجعل ذلك غاية إسلامية في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فإنه أمر أيضاً بعمارة الكون وبناء الحضارة الإنسانية، ووضع الوسائل والتشريعات التي تكفل تحقيق هذا الغاية المقررة في قوله تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61] أي طلب منكم عمارتها.

وهاتان الغايتان الدينيتان -العبادة والإعمار- لا يمكن تحقيقهما إلا في ظل شجرة السلام الوارفة الظلال؛ التي تسكن في كنفها النفوس فتنصرف إلى توحيد ربها وعبادته، وتأمن في حماها الأرواح فتقوى وتَدْفع الأبدان إلى عمارة الأكوان. ومن ثم كان من الضروري أن يعتني الإسلام بكفالة السلام في العالم؛ لأنه إن لم يعتنِ بترسيخ السلام سيكون تكليفه للإنسان بالعبادة والعمران في ظل الصراع والعدوان أمراً غير مقدور ولا مستطاع، والله تعالى يقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].

والحقيقة أن الإسلام اعتنى بتحقيق السلام العالمي أيما عناية، وأن منهجه في ذلك كان منهجاً حكيماً وسطياً متوافقاً مع الفطرة والطبيعة التكوينية للإنسان، حيث استهدف الإسلام لمّ الشمل الإنساني حول العبادة والإعمار متى أمكن ذلك، فإن لم يمكن الجمع عليهما بفعل سنة الاختلاف التي فطر الله الناس عليها، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّة وَاحِدَة وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: 118].

فبالجمع على ما تيسر منهما وهو نبذ الإفساد وطلب الإعمار، وهذا هو المحور الذي بنى عليه السلام رؤيته في العلاقة بغير المسلمين بعد دعوتهم وعدم قبولهم للإسلام، حيث لم يجعل الولاء للمعتقد مانعاً من التعايش والاجتماع على صناعة الحضارة، ولم يجعل الاختلاف في الدين سبباً لتمزيق العلاقات المتعلقة بشؤون الحياة ما دام أنها لم تمس بخصوصية العقيدة، يقول تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8] وهذا ما جسدته السيرة النبوية، وتمثل به المسلمون في تاريخهم، فقد عاش المسلمون في الهند وشرق آسيا وغرب أفريقيا حيث تتعدد المعتقدات، وتتنوع الثقافات، ولم يعهد منهم أن جعلوا اختلاف العقيدة مانعا لهم من التعاون مع أهل هذه البلدان على العناية بأمور الحياة وصناعة العمران، بل جعلوا السلام مع المخالفين في المعتقد هو الأصل وأن الحرب هي الضرورة الملجئة التي يصار إليها لدفع العدوان وإعادة الأمور والعلاقات إلى أصلها السابق، مما كان سببا في شمول حضارة المسلمين لغيرهم دون تمييز بسبب العقيدة .

والواقع أن سرّ تعايش المسلمين السابقين مع الأمم الأخرى يكمن في التزامهم بمجموعة القيم السلمية الإنسانية التي قررها الإسلام، كقيمة الكرامة الإنسانية العامة المستقلة عن المعتقد، يقول تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]، وقيمة الوحدة الإنسانية، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] وقيمة التعاون الإنساني، يقول تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] إلى غير ذلك من القيم كالتسامح والخيرية والحرية والإخلاص، فهذه القيم الإسلامية هي التي أثمرت انفتاح المسلمين على العالم، حيث مضوا داعين إلى الله بقول حسن وفعل رحيم، وتواصلوا مع جميع الأمم، ودرسوا تاريخهم، وتعايشوا معهم، وتبادلوا العلوم النافعة فيما بينهم، حتى إنهم لم يجدوا حرجاً في دراسة ثقافاتهم، ولم يستنكفوا الثناء على الحميد منها.

أما في الجانب السياسي فقد عقدوا مع المخالفين لهم في العقيدة المعاهدات والاتفاقيات بغية سيادة السلام، وتحاكموا إلى المفاوضات من أجل إيجاد الوئام، وأجروا معهم الحوار من أجل الوصول إلى كلمة سواء ينعم في ظلها الجميع بوطن آمن يمارس فيه كل فريق عبادته ويلتزم بعقيدته، وكانت سُنّتهم في ذلك الالتزام بالشرع، وتحقيق المصلحة، ودرأ المفسدة، وبغيتهم تمكين المسلمين من دينهم، وعمارة الكون كما أمر ربهم.

بقي أن أقول:

شكراً مملكتي الحبيبة على دعم دفة السلام عالمياً وعربياً ومحلياً. السلام ثمرة من ثمار الإسلام العظيم.. وهذا الموقف المشرف ليس بجديد على هذه البلاد حفظها الله حكومة وشعباً.. والسلام على أهل السلام.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org