ما طار طير وارتفع.. إلا كما طار وقع..!

ما طار طير وارتفع.. إلا كما طار وقع..!

من المعلوم أن دوام الحال من المحال. والناس يرددون هذا المثل الشهير في الماضي والحاضر لأنه حكمة بالغة، وقول مأثور، ينطبق على كل ذي منصب مرموق، الذي يجب أن يحافظ على هذه المكانة بالتواضع، ومساعدة الناس، وألا يتكبر على مَن هو دونه، وأن يقبل بالنصيحة، وأن يحترم المكانة التي وصل إليها.. ويعلم أنها "لو دامت لغيره ما وصلت إليه"؛ ولذلك يجب ألا يغتر بما هو فيه من جاه، ومال، ومنصب أو وجاهة؛ لأنها قد تذهب مع أدراج الرياح فجأة. قال تعالى في سورة الحاقة عن المتكبرين { مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)}. وفي قصة قارون: { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ. فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ، لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا، وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)}.

وفي زمننا المعاصر سجَّل التاريخ قصة أحد الأثرياء الأمريكيين، عندما كان صبيًّا في السادسة من عمره أخذته أمه معها إلى أحد متاجر الحلوى، وطلب الصبي من أمه قليلاً من الفستق، فقال له صاحب المتجر: "خذ ما تشاء، هيا املأ يدك من الصندوق". فرفض الصبي رفضًا باتًّا رغم إلحاح الرجل، وإلحاح أمه عليه، فلم يسع الرجل إلا أن يملأ يده من الفستق ويضعه في جيب الصبي، وبعدما خرج سألته أمه: «لماذا لم تأخذ بنفسك؟!»، فقال لها: «لأن يد البائع أكبر من يدي؛ لهذا سوف يكون الفستق أكثر». وذكاؤه الفطري هذا هو الذي أهَّله فيما بعد لأن يصبح مليونيرًا، ولكنه - مع الأسف - استغل ذكاءه وفطرته في الطمع، ومرت الأعوام، وكبر الطفل، وأصبح بالفعل مليونيرًا، يُشار إليه بالبنان من ضخامة الصفقات التجارية التي يحصل عليها.. ولكن في النهاية (ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع)، وخصوصًا إذا كان ذلك الطيران مشبوهًا، ويعتمد على أن (الغاية تبرر الوسيلة)، مهما كانت تلك الوسيلة.. وغاص التاجر الجشع إلى أخمص قدميه من شدة الطمع، وتكالبت الدنيا عليه، إلى أن أصبح ذلك المليونير ملاحَقًا من البنوك؛ ولا يستطيع الخروج من بلاده بعد أصبح ملاحَقًا من (الإنتربول) أيضًا.

هجمة.. مرتدة!!

قالوا: أسوأ أشكال الظلم هو العدالة المفتعلة. ونقول: إذا كانت العدالة مفتعلة فحُق للظلم أن يتبختر، لكنه سيسقط يومًا لا محالة. وقالوا: يستطيع أي شخص إمساك دفة المركب حين يكون البحر هادئًا. ونقول: "قطع الله اليد التي تفتخر حينما تمسك دفة المركب والبحر هادئ، ولا تستطيع أو تحاول أن تمسك الدفة والبحر هائج". وقالوا: "التغيير عمل شاق"، وهكذا: "الثبات ليس عملاً شاقًّا فحسب، ولكنه ليس مستحيلاً". وقيل: "قد تستطيع أن تسحق شخصًا تحت وطأة لسانك"، ولكن: "يجب أن لا يتورط البعض، ويأخذ هذا القول مأخذ الجد؛ لأنه بدلاً من أن يسحق شخصًا بلسانه قد يسحقه ذلك الشخص بقدمه قبل أن ينهي هو كلامه". وقيل: "يا غريب كن أديب"، ولكل من يحارب التوطين والكفاءات الوطنية أقول: "لن تغرقنا بالكفاءات الوهمية من بني جنسك على حساب أبنائنا، فصبرنا عليكم نفد". ونحن نحمد الله على ما نحن فيه من رفاهية ونعيم، وحكومة رحيمة بأبنائها، وستضع كل معتدٍ عند حده، ولكن أنت تذكَّر أن زمن الدلال انتهى: (وما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع). وخذوا الحكمة من أنصاف العقلاء، وأنصاف المجانين (بس، أقول) وسلامة فهمك.. ودام عز السعودية.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org