السعودية وفرنسا .. علاقات ثقافية متنامية لتعميق تواصل الشعبين

السعودية وفرنسا .. علاقات ثقافية متنامية لتعميق تواصل الشعبين

بعثات أثرية .. ومعارض فنية .. ومشاريع ترجمة

من المفارقات اللافتة في تاريخ العلاقات الثقافية بين السعودية وفرنسا، أن اهتمام فرنسا بالثقافة السعودية جاء أسبق تاريخياً على إقامة علاقات رسمية مكتملة معها، ففي حين اعترفت فرنسا بحكم الملك عبدالعزيز آل سـعود، في عام 1926م، فإنها نظّمت رحلات منتظمة لمستشرقيها قبل ذلك بعشرات السنين، وتحديداً خلال القرن التاسع عشر؛ لاستكشاف الحضارات القديمة التي نشأت في رقعة المملكة في عصور ما قبل التاريخ الميلادي، ومنها حضارة مدينة تيماء التي حظيت باهتمام المستشرقين الفرنسيين، ونقل أحدهم وهو المستشرق شارل هوبر؛ مسلتها الشهيرة إلى متحف اللوفر في باريس عام 1884م؛ لتظل هناك منذ ذلك الوقت تعرّف بعراقة الثقافة السعودية وأصولها المتجذرة في التاريخ.

ومسلة تيماء، بحسب ما وصفتها المراجع العلمية، هي "لوح من الحجر الرملي منحوت بطول 110 سنتيمترات، وعرض 43 سنتيمترا، وسمك 12 سنتيمتراً، ويبلغ وزنها الكلي 150 كيلو جراماً، ونهايتها السفلى مقطوعة بينما تظهر نهايتها العليا مقوسة، ويشاهد على الوجه الأمامي للمسلة نقشٌ كُتب باللغة الآرامية بقي منه 23 سطراً، ومشهد ديني يظهر بنحت بارز"، ولأهمية المسلة كأثر إنساني فقد طالب عددٌ من علماء الآثار والكتاب السعوديين باستردادها؛ باعتبار أنها أُخذت دون أيّ سند قانوني.

التراث والآثار

تتعدد أوجه التعاون الثقافي بين السعودية وفرنسا، لكنها تتركز بشكل بارز في مجالين هما: مشاركة فرنسا في صيانة التراث السعودي، لا سيما في جدة والرياض، وتنظيم برامج تدريب للعاملين في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في السعودية حول العناية بأماكن التراث، والمجال الثاني، التنقيب عن الآثار إذ تعمل سبع بعثات أثرية فرنسية على الأراضي السعودية، لدراسة المواقع التاريخية مثل المقابر النبطية في مدائن صالح ومدينة ثاج الأثرية وواحة دومة الجندل.

وشهدت العلاقات الثقافية بين السعودية وفرنسا تطوراً ملحوظاً بمرور الوقت؛ ما يعكس حرص البلدين على الدفع بمجالاتها إلى آفاق أرحب، ومن ذلك افتتاح معرض "المملكة بين الأمس واليوم" الذي نظم في باريس عام 1986م، وافتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ أمير منطقة الرياض آنذاك، والرئيس الفرنسي جاك شيراك؛ وزاره مئات الآلاف من الفرنسيين الذين تعرّفوا من خلاله على ماضي المملكة وتقاليدها وقيمها الدينية والحضارية وتطورها الحديث.

اهتمام استثنائي

ومن أبرز محطات العلاقات الثقافية بين البلدين أيضاً، افتتاح الملك عبدالله بن عبدالعزيز؛ والرئيس الفرنسي جاك شيراك؛ معرض "روائع من مجموعة الفن الإسلامي في متحف اللوفر"، الذي أُقيم في الرياض عام 2006م.

وفي صيف عام 2010م، استضاف متحف اللوفر معرض "طرق المملكة وآثارها وتاريخها"، الذي عُرضت فيه قطع أثرية وفنية نادرة عُثر عليها في المملكة من خلال التعاون المشترك السعودي - الفرنسي في مجال التنقيب عن الآثار، وأولى متحف اللوفر اهتماماً استثنائياً بالمعرض؛ إذ خصّص له أهم قاعاته وهي قاعة نابليون، خلال فترة الذروة التي يشهد المتحف فيها أكبر عدد من الزوّار سنوياً، وتبع المعرض زيارة وزير الثقافة الفرنسي فريدريك ميتران؛ إلى الرياض؛ للمشاركة في مهرجان الجنادرية، الذي كانت فرنسا ضيف الشرف فيه عام 2010.

وفي 18 أبريل 2012م، أُقيمت فعاليات الأيام الثقافية السعودية في مقر منظمة اليونيسكو في باريس التي تحكي سيرة المملكة منذ أن وحّدها الملك المؤسّس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، والنهضة الثقافية والعلمية التي تطوّرت في المملكة بعد ذلك.

الفن السعودي

وفي سياق تعميق الانفتاح الثقافي بين البلدين، اتفقت السعودية وفرنسا في أكتوبر 2010م، على إنشاء برنامج لتعليم اللغة الفرنسية في المملكة في ثلاثة مراكز في جدة والرياض والخُبر، وفي عام 2013م اُختيرت فرنسا ضيف شرف على معرض الرياض الدولي للكتاب في دورته ذلك العام.

واحتضنت جادة الشانزيليزيه في باريس في 14 مايو 2016م، معرض الفن السعودي المعاصر الذي أُقيم في مركز "آرت كوريال" لعرض أعمال أربعة فنانين، هم: لولوة الحمود؛ ومحمد فتريا؛ وطلال الزيد؛ وأحمد الكهيلي.

مشروع للترجمة

ومن المشاريع الرائدة لإقامة حوار مبني على الفهم المتبادل لثقافة البلدين، إنشاء السعودية مشروعاً للترجمة يحمل اسم "مقاليد الترجمة" تحتضنه الملحقية الثقافية في فرنسا، بهدف التعريف بالإنتاج الأدبي والفكري السعودي وتسهيل الحصول عليه في البلدان الفرانكفونية، ولقد ترجم في إطار هذا رواية "خاتم" لرجاء عالم؛ وصدرت عن دار "أكت سود"، كما صدرت عن دار "لارماتون" ترجمة لمجموعة قصص قصيرة من السعودية، ويهدف المشروع أيضاً إلى الاهتمام بالمؤلفات المرجعية في مجالات التخصص العلمي والتكنولوجي وترجمتها إلى اللغة العربية، وترجم ضمن هذا المشروع عدد من الكتب؛ منها: كتاب إيدغار موران؛ "إلى أين يسير العالم؟"، وكتاب "مهنة الإنثروبولوجي" لمارك أوجي؛ و"مستقبل العمل" لجاك أتالي.

ومطلع شهر أبريل الجاري، ذكرت صحيفة "latribunedelart" الفرنسية المهتمة بالتراث وتاريخ الفن، أن السعودية تدرس إقامة فرع من متحف اللوفر في العاصمة الرياض، وأشارت الصحيفة إلى هذه المعلومة ضمن تقريرٍ لها عن إمكانية نقل جزء من الأعمال الفنية الموجودة في متحف اللوفر إلى السعودية.

كما يلاحظ من تاريخ العلاقات الثقافية بين السعودية وفرنسا أنها تتنامى وتتطور بشكل دائم في اتجاه تعميق الروابط المعرفية والحضارية بين الشعبين وبناء جسور التواصل بينهما، في إطار تعزيز المشتركات الإنسانية.

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org