لقاءات محمد بن سلمان وترامب.. قمم حاسمة وشراكات استراتيجية

لقاءات محمد بن سلمان وترامب.. قمم حاسمة وشراكات استراتيجية

كسر جمود القضايا المزمنة.. وإعادة صياغة معادلات المنطقة

امتداداً للقمم الاستثنائية التي عقدت بين قادة السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وتمخضت عن إرساء قواعد واضحة للارتقاء بمستوى العلاقات بين البلدين، تندرج زيارتا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن في حقبة الرئيس دونالد ترامب، فرغم أن الزيارتين لا يفصل بينهما سوى عام واحد، إذ كانت الأولى في 13 مارس من العام الماضي، والثانية يبدأها بعد ساعات، إلا أن كل واحدة منهما شكلت منطلقاً إلى عهد جديد من العلاقات المتميزة بين الدولتين.

فبإجماع كل التقديرات، تنفرد الزيارتان بتدشين شراكات استراتيجية قوية ومتنوعة في مجالات التعاون المشترك بين البلدين، ما يجعل منهما محطتين أساسيتين في تاريخ العلاقات بين الرياض وواشنطن، لا سيما وأنهما تعززان مستوى التقارب المطلوب، الذي يقتضيه التحالف الاستراتيجي بينهما.

تخاذل وامتعاض

فخلال الزيارة الأولى نجح الأمير محمد بن سلمان، في إعادة تشكيل العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية بعد الفتور الذي شابها؛ نتيجة تخاذل الرئيس السابق باراك أوباما عن اتخاذ قرارات ملائمة لرادع سياسات إيران العدوانية، وتدخلاتها السافرة في شؤون العراق وسورية ولبنان واليمن وتزويدها المتمردين الحوثيين بالأسلحة الفتاكة، وامتعاض الرياض من مساعدته لها في الخروج من عزلتها الدولية، بإبرام الاتفاق النووي مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة لألمانيا.

وضمن النتائج المهمة لتلك الزيارة أيضاً، لا يمكن إغفال الأثر الكبير لولي العهد في سرعة استيعاب الرئيس ترامب لأبعاد العلاقة الاستراتيجية لبلاده مع السعودية بما تمثله من ثقل سياسي واقتصادي وديني في المنطقة والعالم، بعد أيام قليلة من توليه منصب الرئاسة، الأمر الذي انعكس بجلاء على قراره التاريخي بأن تكون السعودية هي وجهته الأولى في زياراته الخارجية، التي قدم إليها بالفعل على رأس وفد رفيع، وعقد قمة مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، قبل أن يشارك في أعمال قمتين مهمتين على الصعيد الخليجي والعربي والإسلامي هما القمة الخليجية الأمريكية، والقمة العربية الإسلامية الأمريكية.

تمدد عدائي

وكما شكلت الزيارة الأولى لولي العهد فرصة لإدارة الرئيس ترامب لتحقيق فهم أعمق لتأثير السعودية ومواقفها من قضايا المنطقة، تأتي الزيارة الثانية في العشرين من الشهر الجاري لتوفر فرصة أخرى لكسر جمود القضايا المزمنة في المنطقة، ومعالجة عدد كبير من الملفات محل الاهتمام المشترك بين الولايات المتحدة والسعودية، منها لجم النظام الإيراني ومنع تمدده العدائي فوق جغرافيا المنطقة، لا سيما وأن تهديده لأمن واستقرار المنطقة بات هاجساً للمجتمع الدولي برمته، والحرب على الإرهاب وجهود مكافحته بعد هزيمة تنظيم «داعش» في العراق، والخطط الكفيلة بتجفيف منابع الإرهاب في المنطقة والعالم.

وتحتل نزاعات المنطقة أولوية كبرى في مباحثات ولي العهد مع الرئيس ترامب، وفي الصدارة منها إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، انطلاقاً من حرص المملكة على إيجاد حل عادل وشامل للقضية يضمن إقامة دولة فلسطينية ويؤدي إلى إحلال السلام الدائم، الذي ينهي عقود من التوتر والنزاع في منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الكبيرة لكل دول العالم.

تسريع التفاهمات:

وستنال الأزمة السورية نصيباً وافراً من نقاشات ولي العهد في واشنطن، نظراً لتعقد ملابساتها واحتشادها بكم هائل من المواجهات الحادة التي تنذر بتفجر حرب إقليمية، الأمر الذي يتطلب تسريع وتيرة تفاهمات الرياض وواشنطن حول الأزمة بضرورة الانتقال إلى حل سياسي لا يشمل بشار الأسد أو أركان نظامه، وستشمل النقاشات كذلك بحث سبل استقرار العراق الذي يستعد لخوض انتخابات عامة تحاول إيران اختراقها عبر ميليشيا «الحشد الشعبي»؛ للتأثير على نظامه السياسي والتشريعي من خلال تركيبة البرلمان.

وبالنظر إلى تعدد هذه الملفات الشائكة، والأهمية التي تحتلها في جولة ولي العهد التي تمثل الولايات المتحدة محطتها الثالثة، بعد زيارته لمصر وبريطانيا، يتأكد صدق ترجيحات عدد من المحللين الذين أشاروا إلى أن «جولة ولي العهد تمثل إحدى أهم حلقات الحراك السياسي الدولي الرامي لإيجاد حلول جذرية للقضايا الاستراتيجية التي تتصدر أولويات السياسة الدولية»، ما سيؤدي في المدى القريب والبعيد إلى إعادة صياغة كثير من معادلات المنطقة.

اتفاقيات واستثمارات:

ويتصدر التعاون الأمني والعسكري زيارة ولي العهد في واشنطن، إذ يتوقع أن تشهد الزيارة إتمام عدد من الاتفاقيات الدفاعية والأمنية والعسكرية التي جرى التوافق عليها خلال زيارة الرئيس ترامب إلى المملكة، وأخرى جديدة، وفي هذا الإطار، واستباقاً لزيارة ولي العهد إلى الولايات المتحدة، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» مؤخراً عن مورين شومان المتحدثة باسم شركة «لوكهيد مارتن» العسكرية الأمريكية، أن الشركة اتفقت على مشروع مشترك مع السعودية لتشييد مصنع يمكنه بناء نحو 150 مروحية «بلاك هوك إس-70» في المملكة، وهو ما سيوفر نحو 450 وظيفة عمل للسعوديين.

ويتضمن الشق الاقتصادي للزيارة حزمة واسعة من البنود التي تفرضها مصالح البلدين، فمن المتوقع أن تشهد الزيارة توقيع المزيد من الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون الاقتصادي والاستثماري والتقني والفني، كما ستشمل جذب الاستثمارات الأمريكية إلى مجالات الاقتصاد السعودي ومنها الفضاء والترفيه، ضمن «رؤية المملكة 2030» لتنويع مصادر الدخل، والتعريف بالفرص الاستثمارية في المملكة التي يعد اقتصادها واحداً من أكبر الاقتصاديات في العالم، وفي هذا الإطار ينتظر ولي العهد جدول أعمال مزدحما، إذ يرجح أن يلتقي كبار المستثمرين، ورؤساء الشركات الأمريكية والشركات المالية الكبيرة في وول ستريت، ومديري أكبر الشركات في وادي السليكون، للترويج للاستثمار في المملكة وشرح أبعاد «رؤية2030» والاستماع إلى أفكار وآراء الاقتصاديين وتساؤلاتهم حول فرص الاستثمار في المملكة، كما سيزور ولايات نيويورك وبوسطن وهيوستن.

وفي ضوء هذه المعطيات البالغة الأهمية لمردود ونتائج لقاءات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس دونالد ترامب، على صعيد العلاقات بين البلدين والمنطقة، لا يمكن إدراج زيارات ولي العهد إلى واشنطن ضمن اللقاءات الدورية لقادة بعض الدول مع الرئيس الأمريكي، بل هي قمم حاسمة تترقبها دوائر صنع القرار في أمريكا والعالم؛ لما يتمخض عنها من شراكات استراتيجية ومعالجات جذرية لملفات شائكة.

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org