يوم التأسيس.. من الفُرقة إلى الوحدة

في تاريخ الأمم والشعوب أيام وسنوات وذكريات لا تُنسى، بل تبقى محفورة في أذهان ووجدان تلك الأمم، يتوارثونها جيلاً بعد جيل.

وتختلف تلك الإنجازات من منطقة لمنطقة حسب تأثيرها، وما صنعته من أحداث لاحقة، غيَّرت مجرى تاريخ تلك الأمم، وساهمت في نهضتهم وقيامهم مرة أخرى. وأغلب تلك المجتمعات تعتبر الفكاك من براثن الاستعمار يومًا مجيدًا، يستحق الإشادة وتذكير أجيالهم بهذا اليوم الذي يُعتبر انتصارًا لحريتهم، واتخاذ قراراتهم المصيرية بأنفسهم بعيدًا عن التدخلات الخارجية.

لدينا في يوم التأسيس الوضع مختلف تمامًا؛ إذ لا يوجد مستعمر أجنبي يسيطر على البلاد، بل لا توجد بلاد موحَّدة؛ لأن المنطقة كانت مفككة متناحرة، لا يجمعها رابط؛ فكل أمير مدينة أو قرية يعتبر نفسه حاكمًا مطلقًا؛ يعادي هذا، ويسالم ذاك، ويشن الحروب حسب رغباته الشخصية دون مراعاة للأهالي أو البحث عن مصالحهم؛ وهو ما أوقع المنطقة في فقر وخوف ورعب وانعدام للأمن؛ لعدم وجود حاكم قوي، يضبط الأمور تحت مظلة واحدة. هذا الانقسام جذب الطامعين من الخارج، الذين بدؤوا يعيثون في هذه المنطقة فسادًا وتخريبًا حتى تحولت إلى منطقة طرد سكاني، يتمنى الجميع الهروب منها.

نستطيع القول إن هذه البلاد قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى كانت مسرحًا للفوضى والتناحر وتعدُّد القوى الداخلية التي تسعى للسيطرة وتوسيع رقعة المساحة على حساب القوى الأخرى، ولكن بدون نتيجة سوى المزيد من الدمار لهذه البقعة.

ماذا حدث بعد قيام الإمام محمد بن سعود وبروز الدولة السعودية الأولى؟ حدث انقلاب كبير في تاريخ جزيرة العرب، لم تشهده من مئات السنين؛ إذ توحدت تلك المنطقة، وأصبحت كيانًا واحدًا بعد أن كانت أشتاتًا صغيرة متفرقة، لا تحقق لساكنيها الأمن والاطمئنان ورغد العيش. أيضًا حققت الدولة السعودية الأولى عنصرَي القوة والوحدة اللذين كانا مفقودَين في هذه البقعة لسنوات طويلة، وأصبحت تلك الكيانات المتفرقة كيانًا واحدًا قويًّا، لا يجرؤ أحد على معاداته أو الإضرار به. كما تحقق أيضًا الأمن الذي كان مفقودًا لسنوات طويلة، وأصبح المسافر بين تلك المدن والقرى لا يخشى شيئًا بعد الله -عز وجل-، مطمئنًا، يذهب إلى أي مكان يريد، بل ينام في العراء مرتاح البال، بعكس ما كان يحدث في السابق من قتل وسلب لجميع المسافرين نظير انعدام الأمن والأمان.

ومع بروز الوحدة السعودية الأولى تحقق النظام والتطور بجميع أشكاله، من تعليم وحركة أدبية وتجارة ونمو، وانطلقت بداياتها مع تلك المرحلة وصولاً إلى مرحلة النمو والازدهار الحضاري الكبير الذي نعيشه حاليًا.

يجب أن نستذكر التضحيات التي بذلها قادتنا وأجدادنا بكل فخر واعتزاز، وأن نتكاتف يدًا واحدة مع قيادتنا؛ لنحقق الازدهار والرخاء والنجاح الذي نصبو إليه.

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org