العام الجديد.. التفاؤل يفوق الإحباط

عامٌ جديد نستقبله بقلوب مليئة بالأمل، وعامرة بالتفاؤل، تنبض بحب عميق.. وعام مضى، ودعناه بكثير من الآلام والأحلام التي تحقق بعضها، وخاب بعضها الآخر.

ورغم ما شهدناه من مآسٍ، وما مررنا به من أحزان، لكن ما زلنا نتمسك بفسحة الأمل، ونحلم بوجود ضوء في آخر النفق.. وذلك خُلق إسلامي أصيل؛ فديننا يأمرنا بالتفاؤل وعدم التشاؤم، ونبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول: "تفاءلوا ولا تطيروا".

شخصيًّا لا أرهن نفسي للمخاوف، ولا أدع التشاؤم يتسرب إلى نفسي.. وتلك وصية قديمة، تلقيتها من والدي ومعلمي الأول – رحمه الله وجعل مثواه الجنة– الذي قال لي ذات يوم: "أنت من تصنعين مستقبلك، وتحددين في أي مكان تريدين أن تكوني".

تلك الكلمات وضعتها دومًا نصب عينَيَّ، وتمسكت بها، ولم تفارق ذاكرتي؛ لذلك أحرص على النظر إلى النصف الممتلئ من الكوب، وكلي ثقة بأنني سوف أتمكَّن يومًا ما من ملئه حتى النهاية. كما أواصل تشييد صروح الآمال وأنا على ثقة بأنها يمكن أن تبلغ عنان السماء.

ولأن النفس البشرية بطبعها تميل إلى التطلع والتفاؤل، وتحلم بمستقبل أفضل وأكثر إشراقًا، وتداعبها الأمنيات بعام جديد مليء بالخير والاستقرار، بالرغم مما قد يشوب الواقع من قسوة وقتامة، فإن الاستبشار يمثل أفضل بداية للعام الجديد، ويتيح لنا أن نجلس مع ذاتنا، ونراجع مسيرتنا خلال العام الماضي، ونحاسب أنفسنا على ما اقترفناه بحق الآخرين، ونتسامح مع من ظلمنا، ونلتمس الأعذار لمن قصروا بحقنا، ونتجاوز مرحلة الشكوك ومساوئ الظنون.

الأكثر أهمية من ذلك أن نترفق بأنفسنا، ولا نُحمِّلها ما لا طاقة لها به، وأن نتوقف عن جَلْد ذواتنا، وتضخيم السلبيات..

وهذه ليست دعوة للغرور، والاستسلام للواقع، بقدر ما هي محاولة لاستصحاب الواقع والمتاح، وعدم الاستغراق في أحلام اليقظة.. فالطموح المقرون بالثقة يختلف عن الخيال الذي يفتقر إلى أدوات تحقيقه.

كذلك لا بد أن نقف على مَواطن إخفاقاتنا؛ لنتجاوزها، ونتعرف على إنجازاتنا؛ لنبني عليها، ونواصل التقدم.

وتملأ قلبي الحسرة والإشفاق وأنا أنظر إلى أولئك الذين ارتضوا حبس أنفسهم خلف قضبان التشاؤم واليأس، واختاروا البقاء في مقاعد المتفرجين على الرصيف، ولم يبارحوا محطة إخفاقاتهم والوصول إلى منطقة الفعل.. فهؤلاء جف معين الحياة في عروقهم، وتوقفت قلوبهم عن الخفقان، وغربت أمام نواظرهم شمس الأمل.

لهؤلاء أقول: استقبلوا عامكم الجديد بابتسامة جميلة، تحقق الأهداف، وتصنع المستحيل، وتقهر العجز والكسل.

ماذا يمنعنا أن نبدأ سنة جديدة، نطوي فيها صفحة الأوجاع، ونُسطِّر فيها رحلة جديدة، تتحقق فيها الأماني والآمال، وتزول عنها الآلام، ويجبر الله فيها القلوب الكسيرة؟

ربما ينظر البعض إلى كلماتي على أنها مجرد أمنيات وردية، وأحلام وكلمات مرسلة.. وقد تكون كذلك؛ فالأحلام هي التي تمنحنا مبررات الوجود، وكما يقول الشاعر "وما الحياة لولا فسحة الأمل".

حتى الخيال علمتني الأيام أنه قابل للتحقق ما دامت الإرادة متوافرة، ولو تعلق قلب امرئ بالثريا لنالها.

علماء النفس يؤكدون أن التفاؤل ليس مجرد إحساس، بل هو "مهارة" في المقام الأول، وأن القناعة والرضا من كبرى النعم التي يمنحها الله لمن يشاء. فالإنسان المتفائل هو الذي ينظر للأمور بعين الرضا، ويستخرج الدروس والمكاسب حتى من المحن والأزمات، ويستطيع إقناع نفسه بأن الأحداث السالبة وإن كان بها قدر من المرارة فإنها تمهد الطريق لتجارب أكثر نضجًا.

أما التشاؤم فإنه حالة مرضية؛ لأن الأصل في الإنسان أنه ينظر إلى المستقبل بتطلعات واسعة، وطموح كبير.. والاستثناء هو أن يتعلق بجراح الماضي، ولا يريد أن يفارق محطة الإخفاق والفشل.. وهذه حالة تستدعي ممن يُصاب بها أن يراجع الطبيب النفسي فورًا.

دعونا نستصحب معنا حقيقة أن الحياة عبارة عن رحلة قصيرة، وأن اللحظات التي تمرّ من حياتنا لن تعود؛ لذلك من العبث أن نضيعها ونحن نعض بنان الندم، ونكرر "لو فعلنا كذا لكان كذا"؛ فإن "لو" تفتح عمل الشيطان.

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org