الفجوة الصامتة بين الإعلام والقطاع غير الربحي… أين الخلل؟

تم النشر في

في الوقت الذي يشهد فيه القطاع غير الربحي في المملكة طفرة في التنظيم والحوكمة والبرامج النوعية، ما زالت العلاقة بين هذا القطاع والجهات الإعلامية تعاني فجوة واضحة، تتجلى في ضعف التواصل، وغياب التخصص، ومحدودية جودة المحتوى الذي يخرج للجمهور. وهي فجوة لا تُرى بالعين المجرّدة، لكنها تُستشعر في كل بيان يفتقد الاحترافية، وكل قصة نجاح لم تصل للناس، وكل مبادرة عظيمة لم تجد من يصوغها ويُبرز أثرها الحقيقي.

الواقع اليوم يكشف أن هذا الخلل لا يعود لسبب واحد، بل لمنظومة من الأسباب المتراكمة. أولها نقص الكوادر المتخصصة داخل الجمعيات؛ فالعمل الإعلامي لم يعد قائماً على اجتهادات شخصية أو موظف يجيد الكتابة فقط، بل أصبح علماً وصناعة تتطلب خبرة، وتخطيطاً، وإدارة علاقات احترافية. كما أن بعض الجمعيات ما زالت تنظر للإعلام كأداة ثانوية، لا كذراع إستراتيجية داعمة للحوكمة والتمويل والاستدامة وتعزيز الصورة الذهنية.

في المقابل، تعاني الجهات الإعلامية من عدم فهم عميق لطبيعة القطاع غير الربحي، وتحدياته، ودور البرامج الاجتماعية وتأثيرها. فغالبية التغطيات تركز على الأخبار السريعة والفعاليات، بينما يغيب المحتوى التحليلي والقصصي والإنساني الذي يصنع قيمة، ويكشف أثر الجمعيات على حياة المستفيدين.

المفترض اليوم — وبحسب تطور رؤية 2030 — أن تكون الشراكة بين الإعلام والقطاع غير الربحي شراكة تكاملية لا تعاقدية. الإعلام يحتاج قصصاً ملهمة وأرقاماً حقيقية، والقطاع غير الربحي يحتاج صوتاً يصل بالرسالة إلى المجتمع والداعمين ويعزز ثقة الناس. وهذا لن يتحقق إلا بعناصر واضحة: بناء وحدات إعلامية محترفة داخل الجمعيات، تأهيل الناطقين الرسميين، إنتاج محتوى نوعي عالي الجودة، وتأسيس علاقات دائمة لا موسمية مع الوسائل الإعلامية.

أما الأثر المتوقع عند ردم هذه الفجوة، فهو أضعاف ما نتصوره.

فعندما يصبح الإعلام شريكاً في صياغة الرسالة، سيجد المتبرع معلومة دقيقة ترفع ثقته، وسيشعر المستفيد أن صوته مسموع، وسيعرف المجتمع قيمة العمل الخيري بعيداً عن الصور النمطية. ستُبرز الأرقام، وتُروى القصص، وتتحول جهود الجمعيات إلى محتوى مهني يُبنى عليه ويُستشهد به ويصل للمكان الصحيح.

إن القطاع غير الربحي اليوم أمام فرصة ذهبية لصناعة نموذج إعلامي جديد، يواكب مرحلة التحول، ويعكس تأثير الجمعيات في حياة الناس. والفجوة الحالية ليست قدراً… بل هي ندبة يمكن معالجتها متى ما اتفق الطرفان أن الرسالة الخيرية لا تستحق أن تُختصر في بيان ضعيف، ولا أن تضيع في زحام المحتوى غير الجيد، بل تستحق إعلاماً يليق بقيمتها، وبوطن جعل من العطاء منهج حياة.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org