الكراسي البشرية..!

على غير سياقها المنطقي تتطور العلاقة عبر مسار، ثم تأتي عليها المعوقات في منتصف الطريق، ثم تقوى وتستمر فترة قصيرة بالطبع، مستعينة بـطاقة التوقف التي حصلت لها، ثم تأتي لـلمنعطف الأخير، وتتسارع الأحداث لـتصل إلى النهاية الدراماتيكية المؤلمة في أحيان..!!

من هنا ينتهي مسار من حياة الإنسان؛ ليبدأ مسار آخر، وهكذا تسير إلى أن تعود ــ أي الحياة ــ وتحتمي بالعائلة التي لديك، ولكن قبل العودة لـلأسرة سوف تكون علاقاتك مع كراسي المقاهي والكافيهات المنتشرة بكثرة كما هي محال بيع المعسل.

تلك المقاهي تكون بالنسبة لك علاقة أخرى خارج إطار العائلة والمجتمع المحيط بك عن قرب؛ للحد الذي تعيش تفاصيل الأحداث من خلالها، وتتجاذب معها الحديث.. فتبدأ في سؤال الكرسي الماثل أمامك في هدوء: كيف حالك يا صديقي..؟ كما لو كانت تربطكما علاقة ضاربة في عمق الصباحات البكر والمساءات الحالمة..!! لـيخبرك بأنه بخير، ويثير دهشتك بأنه قد نجا من موت محقق؛ فقد اختاره للجلوس أشخاص من الوزن الثقيل بالتناوب، وكادوا يكتمون أنفاسه.. مختتمًا حديثه لك علي نحو: ما زلت صامدًا كما ترى..!! فترد: لا بأس طالما ما زلت بخير. وتردف بالقول "لا تهتم يا صديقي"، ثم تنتقل بالحديث، وتخاطب الكرسي الذي بجوارك: كيف أنت اليوم؟ فيرد: إنني أجلس منبوذًا في طرف المقهى بعد أن كُسرت إحدى قدمَيّ، ووهن الخشب مني، ومن حينها وأنا وحيد؛ ما يجعلك تلاطفه بكلمتين: "لا تهتم يا صديقي، إنما هي فتره وستعود أحسن وأقوى".

وتعود للكرسي الذي عن شمالك، وتسأله كما فعلت مع ما قبله: وأنت ما هي أخبارك؟ فيقول: أما أنا فأعيش أبهى أيامي؛ فلدي علاقات كثيرة مع أشخاص كُثر من مسؤولين وشخصيات مهمة، ورجال أعمال، ولا أجد وقتًا للفراغ إلا ما ندر؛ فما إن يذهب أحدهم حتى يأتيني الآخر ليجذبني نحوه بلمسة حانية بهدف الجلوس، وتوطيد العلاقة.. حتى في الأفلام العربية ولدى مخرجي السينما ظهرت أهميتي، فمن دوري في مسلسل "غوار" إلى دوري في فيلم "مين فينا الحرامي" لعادل أمام..!! فترد عليه بمنطق الحكيم الذي يتنبأ بالمستقبل: إذن استثمر وقتك الذي أنت فيه طالما أنت طري، وأسهمك في ارتفاع، فلا تفوت الفرصة قبل أن يأتي عليك الزمان وتبهت مراتبك، وتبلى ثيابك، وتُترك وحيدًا..!!

وفي نهاية اليوم، وحينما تهم بالرحيل والعودة إلى المنزل، يأتي عامل المقهى لـيقوم بتنظيف أصدقائك في المقهى إلا ذلك الكرسي المكسور سيبقى منبوذًا في ركنه المهجور، لا يهتم به أحد من الأشخاص والعابرين ورواد المقهى..!!

الكراسي كما ورد في الأعلى هي الأشخاص في حياتنا؛ فمنهم من يكون دونما اهتمام منا؛ لعدم استفادتنا منه، ومنهم من نتسابق للتعرف عليهم والظفر بهم؛ لتحقيق المصالح والبقاء في دائرة الضوء..!!

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org