الذكاء العاطفي.. أقصر الطرق للسعادة

تُمثل العاطفة أبرز صفات الإنسان، إضافة إلى العقل بطبيعة الحال؛ إذ يُشكِّلان معًا الركن الأساسي في تكوينه وبنائه الروحي. ومتى كان الإنسان قادرًا على ضبط مشاعره، والتحكم فيها، كان قادرًا على الاحتفاظ بتوازنه النفسي الذي يقوده لاتخاذ قرارات صحيحة.. إلا أن هذا التوازن يجب أن يتم وفق معايير دقيقة، فإذا ما طغت العاطفة على العقل يقع الإنسان في فخ الهشاشة العاطفية التي تجعل قراراته واختياراته بعيدة عن المنطق، أما إذا تغلب العقل على العاطفة فإنه بالمقابل يتحول إلى ما يشبه الآلة الصماء الخالية من أي مشاعر.

هذا التوازن الضروري بات يعرف باسم "الذكاء العاطفي"، وهي مهارة مكتسبة، تمنح الإنسان القدرة على النظر للأمور بمقياس صحيح؛ لذلك فإن من الضروري تنمية هذه المهارة في نفوس أبنائنا عن طريق الإشباع العاطفي الذي لا يُقصد به الإغداق أو التدليل الزائد، إنما هي جرعات تُعطى بقدر الحاجة والموقف والمرحلة العمرية.. فالتربية لا تكون بالحب وحده؛ فالحزم والاحتواء والتوجيه والالتزام كلها أدوات تربوية، يحتاج إليها الأبناء؛ ليصبحوا أذكياء عاطفيًّا.

في حالات كثيرة تواجهنا مواقف وتجارب قاسية، قد تدفع الواحد منا لتوهم أن الحياة قد توقفت، وأن مبررات وجودنا قد انتفت، ولم يعد لحياتنا معنى أو طعم.

هذه المواقف نمرُّ بها غالبًا في حالات الوفاة أو الإحساس بالخذلان.. فعندما نفقد عزيزًا لدينا تملأ الغشاوة أعيننا، ويعشعش في قلوبنا الأسى والحزن. كذلك عندما نشعر بالصدمة تجاه صديق أو شريك يملؤنا الشعور بالغضب والرغبة في الانتقام، وتتحول كل طاقاتنا إلى قدرة تدميرية رهيبة، لكن ما إن تمرّ فترة من الوقت حتى تبدأ عجلة الحياة في الدوران. ومع أننا نظل نحتفظ بمقدار من الحزن لفترات أطول إلا أنه يتناقص مع مرور الوقت. ولعل ذلك هو ما دفع الشاعر للقول (وما سمي الإنسان إلا لنسيه ولا القلب إلا أنه يتقلب).

وعلى الصعيد الشخصي، ما زلتُ أذكر لحظات صدمتي الأولى عند وفاة والدي – رحمه الله –، فقد ظننت لوهلة أن حياتي قد انتهت، وأن قلبي توقف عن الخفقان. لم أكن أتصور أنه سيكون لي مستقبل من بعده أو أن الحياة سوف تبتسم لي ثانية. ظللتُ على هذه الحالة فترة طويلة، لكن حزني عليه تحول إلى طاقة إيجابية، تدفعني إلى أن أُكثر من الدعاء له بالرحمة والمغفرة، وفعل الخيرات صدقة لروحه الطاهرة.

هذه المشاعر الدفاقة الطاغية تُمثِّل ردود أفعال طبيعية، ترتبط بالإنسان وتكوينه، إلا أن إهدار الوقت في إظهار مشاعر الأسف هو نوع من الحماقة وعدم الكياسة؛ فالأذكياء فقط هم الذين يتحكمون بمشاعرهم، ويضبطونها، ويحوِّلونها إلى طاقة إيجابية، فيما يكتفي الأغبياء بالشكوى والتذمر وإظهار الجزع والغضب.. ومن هنا سُمي المصطلح بالذكاء العاطفي، وليس القدرة العاطفية.

وبعيدًا عن حالات الصدمة والأزمات، فإن الموازنة بين العقل والعاطفة تظل ضرورة حتمية لكل من يريد أن يتخذ قرارات صائبة.. فاختيار الشريك -على سبيل المثال- خطوة مصيرية، تُغير مجرى حياة الرجل والمرأة؛ لذلك لا ينبغي أن يُتخذ وفق معطيات العقل فقط؛ لأن العاطفة تشكل جزءًا أساسيًّا فيه. وكذلك من الخطأ الكبير أن يُبنى على المشاعر والأحاسيس؛ لأن هناك عناصر أخرى غير العاطفة تُكمل بناءه؛ لذلك فإن الإنسان الذي يتصف بالذكاء العاطفي هو الذي يفهم نفسه جيدًا، ويعرف نقاط ضعفه وقوته، ويتحمل مسؤولية علاقاته بالآخرين، ويُقيّمها على أساس متوازن؛ فيتفهم مشاعرهم ويراعيها.. لا يجزع عند الشدائد، ولا ينهزم أمام الأزمات، بل تزيده تحديًا وحماسًا، كما أنه في الغالب يكون متسامحًا، لا تعرف المشاعر السالبة طريقًا إليه.

وفي الوقت ذاته، فإن الإنسان المتوازن عاطفيًّا يكون بعيدًا عن المثاليات وادعاء الكمال، ويتعامل مع الآخرين بواقعية، ولا ينهار إذا اكتشف خداعهم وزيفهم، بل يسارع إلى تقييم علاقاته بهم، ولا يُضيّع وقته في البكاء عليهم؛ فليس هناك مخادع يستحق أن نسكب وراءه دمعة حزن؛ فالأخيار الصادقون موجودون بكثرة، وما علينا إلا البحث عنهم، بواقعية ودون اندفاع.   

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org