الثورات العربية ضد الاحتلال العثماني تكشف كذب "أردوغان" وقصصه المُزيفة عن أجداده

الجريمة الكبرى "سفر برلك" بالمدينة والتهجير الإجباري للعرب عجل برحيل "الباشاوات"
الثورات العربية ضد الاحتلال العثماني تكشف كذب "أردوغان" وقصصه المُزيفة عن أجداده

لم يكن الوجود العثماني في المنطقة العربية، فتحًا إسلاميًا، وإنما هو احتلال "قبيح الوجه"، سيطر على خيرات المنطقة، واستعبد الناس، وارتكب جرائم ومجازر كثيرة، وتآمر على دول المنطقة، بغية تحقيق مكاسب وأطماع شخصية، انتهت بإطاحة الشعوب العربية، بالعثمانيين من على سدة الحكم، والتخلص منهم إلى الأبد.

ويتناقض هذا المشهد، مع ما يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الترويج له في العالم، بأن وجود أجداده العثمانيين في المنطقة العربية، هو فتح إسلامي عظيم، ارتقى بالأمة العربية، وعزز مكانتها بين الأمم.

وتشهد صفحات التاريخ الحديث، على جرائم العثمانيين في الدول العربية قاطبة، وبخاصة في الجزيرة العربية، وبلاد الشام، ومصر، فضلاً عن استعلاء الأتراك على كل ما هو عربي واحتقاره، والنظر إلى أنفسهم على أنهم أسياد المنطقة، وكانوا يشددون على أن وظيفة العرب، القيام بخدمتهم على مدار الساعة، وهو الأمر الذي لم تتحمله الشعوب العربية، فقررت القيام بثورات متعددة، شملت جميع أرجاء الوطن العربي، للتعبير عن رفض الوجود العثماني في دول المنطقة، إلى أن حقق العرب مبتغاهم في ثورة ضخمة، حملت شعار "الثورة العربية الكبرى"، تخلصوا خلالها من العثمانيين، ووضعوا حدًا لتصرفاتهم واستعلائهم وجرائمهم.

الثورة العربية الكبرى

الثورة العربية الكبرى، هي ثورة مسلحة ضد الدولة العثمانية، بدأت في الحجاز، حينما أطلق الشريف حسين طلقة واحدة من بندقيته، وذلك قبل فجر يوم التاسع من شعبان 1334هـ - 10 يونيو 1916 في مكة المكرمة، حيث كان لدوي تلك الطلقة صدى في جدة والطائف والمدينة.

وامتدت الثورة ضد العثمانيين بعد إخراجهم من الحجاز، حتى وصلت سوريا العثمانية، وإسقاط الحكم العثماني فيها، وفي العراق؛ وذلك نتيجة للسياسة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، والتي تمثلت بالتجنيد الإجباري، ومصادرة الأملاك والأرزاق، ومن ثم مجاعة 1915، والسياسة القمعية لجمال باشا السفاح، الحاكم العسكري للولايات السورية العثمانية، إلى جانب تراكمات العلاقة المعقدة بين العرب، والأتراك منذ أواسط القرن التاسع عشر، وحتى مؤتمر باريس عام 1913.

ولا يمكن، تجاهل الجريمة الكبرى التي ارتكبها الأتراك في الجزار التركي فخري باشا، في الجزيرة العربية، وتحديدًا في المدينة المنورة عام 1335هـ/1915مـ، وتسمى "سفر برلك"، إذ تعد من أبشع الجرائم العثمانية، بعد مجزرة الدرعية في شبه الجزيرة العربية.

وترجع قصة هذه الجريمة إلى عام 1915، أثناء الحرب العالمية الأولى، حيث سعت تركيا إلى تحويل المدينة المنورة إلى ثكنة عسكرية، وتتريكها لاحقًا، وفصلها عن الحجاز وإلحاقها بالدولة العثمانية، ودخل عدد كبير من الجنود الأتراك المدججين بالسلاح، إلى المدينة المنورة، بقيادة فخري باشا، والمعروف بكونه أكثر الحكام الأتراك تسلطًا ودموية، وقد تفاخر به أردوغان من قبل.

وأمر فخري باشا بتهجير قسري لكل رجل أو امرأة أو طفل من سكان المدينة، وتجفيف المدينة من سكانها وترحيلهم قسريًا إلى مناطق بعيدة في الشام وتركيا والعراق والأردن وفلسطين، وتم تسليح المدينة خوفًا من هجمات القبائل البدوية المحيطة بالمدينة والراغبة في تحريرها من الاحتلال العثماني.

الاستعلاء على العرب

كانت لسياسة التتريك الدور الأساس في اشتعال الثورة الكبرى، حيث استطاع القوميون الأتراك الوصول إلى السلطة، وقاموا باضطهاد القوميات غير التركية ولاسيما العرب، ومن أمثلة احتقار حكومة الاتحاديين للعرب والنيل من كرامتهم، هو أنه كان في جملة ما يدرس في منهج المدرسة الحربية درس تشكيلات الجيش العثماني، والذي من ضمن مباحث الكتاب العناصر والشعوب التي تتألف منها الدولة العثمانية، وفيه أن أول هذه العناصر التركي، ويشيد المؤلف بشجاعته وبسالته، ثم العنصر الألباني والشركسي والكردي وغيرها، ويطري الكتاب على كل من هذه العناصر، ثم يقول "ما عدا هذه العناصر توجد أيضًا عناصر الغجر والعرب واليهود"، مما كان يوغر صدور أبناء العرب ولاسيما أن الكتاب يدرّس في أكبر مدرسة في تركيا وصادقت على مادته وزارة المعارف العثمانية.

وهدفت الثورة العربية الكبرى ـ كما نصّ عليه في ميثاق دمشق، وفي مراسلات الحسين مكماهون، التي استندت إلى الميثاق ـ على خلع طاعة الدولة العثمانية، وإقامة دولة عربية، أو اتحاد دول عربية، يشمل الجزيرة العربية (نجد و"الحجاز" على وجه الخصوص) وسوريا الكبرى – عدا ولاية أضنة التي اعتبرت ضمن سوريا، في ميثاق دمشق، مع احترام "مصالح بريطانيا في جنوب العراق"، وهي المنطقة الجغرافية، التي تبدأ في بغداد، وتنتهي بالساحل الشمالي للخليج العربي.

بذور الحركة

تكمن بذور هذه الحركة التي أفضت إلى الثورة العربية، في التطلعات القومية العربية والرغبة في بناء دولة عربية ناهضة، تنقل العرب من عصر الانحطاط والتخلف إلى الارتقاء الحضاري، ومن جهة أخرى موقفهم من سياسة قادة الأتراك ومعاداتهم العرب وخصوصًا بعد انقلاب جمعيات عربية على الدولة العثمانية. وقد وجدت هذه الجمعيات في الشريف حسين وأولاده حليفًا لها في أهدافها. وكانت اتصالات الشريف حسين بالإنجليز قد بدأت قبل قيام الثورة عندما اجتمع الأمير عبد الله بن الحسين باللورد كيتشنر، المفوض السامي في القاهرة، خلال شهر شباط 1914، حيث اتفق على استمرار الاتصالات بين الطرفين.

وفي الوقت الذي كانت فيه المراسلات تبلور أسس التحالف بين بريطانيا والعرب كان الوضع صعبًا ومتدهورًا في المشرق العربي، حيث صب جمال باشا السفاح (ضابط بالجيش العثماني) جام غضبه على الضباط العرب، وأعدم كثيرًا منهم بعد فشل حملته على قناة السويس، مما دفع قادة الحركة العربية في المشرق بالضغط على الشريف للتعجيل في إعلان الثورة وتم ذلك في العاشر من حزيران-يونيو 1916.

وبدأت المعارك الحربية في جدة 13 يونيو، وانهزمت الحامية التركية وسقطت مكة في 9 يوليو في عام 1916، وبعد شهرين تقريبًا حرر العرب ثغري "الليث" و"المويلح" على البحر الأحمر، وفي 23 أيلول 1916 استسلمت الطائف، وفي تموز 1917 سقط ميناء العقبة وقلعتها وقلعة المدوَّرة إلى الشرق، وعندما احتل البريطانيون بغداد احتج الحسين ولكن بريطانيا علقت أنه تدبير عسكري مؤقت وغير مهم سياسيًا. وبين عامي 1916-1917 انضم لجيش الشريفي عدد من الضباط الوطنيين من سوريا وفلسطين، ممن كانوا في الجيش العثماني، وتطوع كثير من عرب المشرق فوصل الجيش الشريفي إلى 70 ألف مقاتل، وبعد ذلك حررت بيروت وحلب وحماة وطلس وصيدا وصور وحمص.

وفي أكتوبر تم تأليف الحكومة العربية الأولى في بيروت، ورفع العلم على سرايا بيروت، حيث تمكنت الثورة من طرد القوات التركية من الحجاز، ومن مناطق في شرق الأردن، وساعدت المجهود الحربي البريطاني عسكريًا وسياسيًا في المشرق العربي. اقترب العرب من إقامة الدولة العربية الموحدة في الجزيرة والمشرق.

الانتصارات العربية

تمكن جيش الثورة العربية الكبرى، بقيادة فيصل بن الحسين، وبالتعاون مع مسلحي القبائل، من تحقيق انتصارات عسكرية، وكسر الجيش العثماني على طول خط القتال الممتد من المدينة المنورة وحتى دمشق؛ وتمكن بعد تجاوزه العقبة، تسريع تقدمه مع دخول الجيش البريطاني بقيادة الجنرال إدموند ألنبي من سيناء إلى فلسطين، ومنها على طول الخط الساحلي، حتى لواء إسكندرون؛ وفي آخر سبتمبر 1918 انسحب العثمانيون من دمشق، وقبلوا في هدنة مودروس، ثم نهائيًا في معاهدة سيفر التنازل عن أملاكهم في نجد، والحجاز، وسوريا، والعراق، وكيليكيا، ومصر.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org