هل تتجاوز مدننا مشكلاتها التخطيطية؟

هل تتجاوز مدننا مشكلاتها التخطيطية؟

انفض المشاركون في منتدى التخطيط الحضري الثاني الذي عُقد قبل أيام قلائل في مدينة الرياض، وذلك بعد أن طُرحت أوراق عمل، ركزت على التخطيط الحضري وأهميته في تحقيق رؤية السعودية 2030، ودور المرأة والشباب في تطوير المدن؛ لتكون مستدامة وجاذبة للعيش والعمل، ومريحة للنفس، ومحققة للبهجة. وتخلل ذلك المنتدى عقد ورش تدريب حول تصميم الفراغات الحضرية، وأهمية المشاركة المجتمعية في التخطيط، ودور المبادرات في تحسين جودة الحياة. وامتدت البرامج إلى تنظيم حلقات نقاش حول وسائل التواصل الاجتماعي والتخطيط الحضري، وفرص الاستثمار في المدن الكبرى والمتوسطة والصغرى. وشارك في الطرح نخب من المختصين والخبراء وصناع القرار من داخل السعودية وخارجها.

ويهدف المنتدى إلى إيجاد بيئة حضرية مستدامة مع الارتقاء بالخدمات البلدية وصولاً إلى مدن مزدهرة ومنتجة اقتصاديًّا. وبحسب إحصائية، وصل عدد مدن السعودية إلى 285 مدينة متفاوتة الأحجام، بين مدن كبرى ومتوسطة وصغرى. ومن الجوانب الإيجابية للمنتدى أنه ناقش الكثير من القضايا التي تهم محور التخطيط الحضري، وعرج في بعض أوراقه إلى مصطلح المدن الذكية، وهو مصطلح جديد، يعني تحقيق تنمية حضرية متوازنة ومستدامة بتقديم خدمات أفضل، وتعتمد على استخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحيوية المتطورة مع توفير كامل الخدمات، وتأخذ في تصنيفاتها أنظمة التنقل والطاقة والبيانات والتعليم والرعاية الصحية والاستثمار وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الذكية.

وإزاء هذا الطموح الذي تسعى وزارة الشؤون البلدية والقروية لتحقيقه في غضون السنوات القادمة؛ لتصبح بعض مدننا "مدنًا ذكية"، إلا أن الواقع الذي تشهده مدننا السعودية يزيد العبء، ويضاعف المسؤولية لوجود مشكلات عديدة، من بينها عدم تغطية الصرف الصحي، وعدم مراعاة حق المشاة في كثير من الشوارع، وازدحامها بالسيارات، وضعف أنسنة المدن، ووجود الفراغات العشوائية، وعدم التمكن من تدوير النفايات، واكتظاظ السكان في مواقع وخلخلتهم في مواقع أخرى.. تلك المشكلات نجمت عن غياب الرؤية في وقت سابق، وضعف التخطيط لمدى زمني بعيد؛ فترهلت بعض المدن، وتقزمت مدن أخرى؛ الأمر الذي يحتاج إلى ميزانيات ضخمة، وجهود تخطيطية مضاعفة، يشترك فيها أصحاب القرار بمشاركة مجتمعية؛ باعتبارهم المستفيدين من ازدهار مدنهم، وتوافُر فرص العمل بها، ونماء الاستثمار الاقتصادي، وسهولة التنقل بين الأحياء، والانسجام مع نبض المدينة بالتركز على الجانب الجمالي والإنساني فيما يعرف بأنسنة المدن.

هنا تزداد المسؤولية على الأمانات والبلديات في مراعاة المستقبل البعيد عند التخطيط، والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة، وتطبيق الدراسات المتعمقة في هذا الجانب، والاستفادة من بيوت الخبرة؛ إذ إن سوء التخطيط ينعكس سلبًا على القاطنين، وفي الوقت نفسه يصعب معالجة الأخطاء الناجمة عن التخطيط المرتجل.. ولو تمت المعالجة فسوف تكلف مبالغ باهظة. وتمتد المسؤولية على عاتق وكالة وزارة الشؤون البلدية والقروية لتخطيط المدن؛ فمثل هذه المنتديات جميلة؛ إذ تزيد من الوعي لدى صانعي القرار، إلا أنها في نظري غير كافية لمعالجة المشكلات التي تعانيها المدن السعودية، بمعنى أننا نحتاج إلى دراسات استشارية، يقوم بها متخصصون في التخطيط الحضري، مع مراعاة خصوصية كل مدينة بحسب هويتها ومزايا موقعها وعمقها التراثي.

ومما نلحظه أن بعض المدن لا تستطيع تحديد هويتها، هل هي هوية سياحية أم صناعية أم تجارية أم زراعية؟ فأصبحت خليطًا من هذا وذاك.. وهذا لا يتوافق مع الرؤية المستقبلية لتزدهر مدننا؛ إذ إن الهياكل الأسمنتية الضخمة، والشوارع التي صممت لمرور السيارات العابرة فقط، تبعث الجفاف والملل والحواجز النفسية. ومن الضرورة بمكان الاستفادة من تجربة مدينة سيئول التي أحالت أحد طرقها السريعة إلى طريق أخضر، يضج بالحيوية؛ لتصبح مدينة صديقة للمشاة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org