تركي الحمد لـ"سبق": مجتمعات "يا الله لا تغير علينا" عالةٌ على الحضارة.. وحل القضية الفلسطينية في نصيحة "بورقيبة"

قال كوريا الجنوبية كانت في غاية التخلف و"ثقافة الإنجاز" جعلتها أكثر الدول تقدماً
تركي الحمد لـ"سبق": مجتمعات "يا الله لا تغير علينا" عالةٌ على الحضارة.. وحل القضية الفلسطينية في نصيحة "بورقيبة"

يقول أستاذ العلوم السياسية والكاتب "تركي الحمد": إن شعور المثقفين العرب بالانهزام الحضاري أمام الغرب شيء طبيعي؛ فماذا قدّم عرب اليوم للحضارة المعاصرة؟ الجواب: لا شيء؛ فكلنا نقتات على منتجات الغرب المادية والثقافية، الاعتراف بالتخلف الحضاري ليس عيباً؛ فهو الخطوة الأولى على طريق الإنجاز، أما التعنت، والبقاء في أسر أيديولوجيات الدفاع عن النفس لمجرد الدفاع، فهذه هي الكارثة.

ويضيف قائلاً لـ"سبق": الإنسان العربي لا يعيش أزمة هوية حين التحليل البعيد؛ ولكن أزمة هويته حين وضعت ضمن هذا الإطار الأيديولوجي أو ذاك؛ فالقوميون على اختلاف مشاربهم يحددون بمقولاتهم وتوصيفهم من هو العربي ومن هو خارج العروبة مثلاً، والإسلاميون على اختلاف اتجاهاتهم يحددون من هو المسلم ومن هو خارج دائرة الإسلام، وهكذا. هذا التأطير الأيديولوجي للهوية، هو الذي بلبل معنى الهوية في الذهن العام والنخبوي، كما بلبلت الألسن في بابل؛ فأصبحت كالزئبق عصية على الإمساك بها.

والهوية في النهاية تعاش ولا تنظر، وتتطور تاريخياً ولا تؤطر أو تقيد. أنت لا تسمع في أمريكا أو أوروبا أو اليابان عن أزمة هوية؛ لأنهم يعيشون هويتهم ويمارسونها، دون أن يسألوا أنفسهم عن ماهيتها. بل وفي عصور التاريخ الإسلامي الزاهرة، لم يكن سؤال الهوية مطروحاً؛ بل كان مُعاشاً بكل بساطة. الأمم والجماعات التي تجد نفسها في حالة تخلف حضاري وفي حالة من العجز إزاء ذلك، هي من يطرح سؤال الهوية".

ويتابع: بعض المجتمعات لا تستجيب لمفكريها لأنها استكانت للجمود. والمجتمعات تحبذ السكون لأنها في حالة خوف من المجهول، وشعارها في الحياة "يا الله لا تغير علينا"؛ بينما المفكر يعادي السكون والجمود لأنه يعلم أن التغير هو الحقيقة الثابتة في هذه الحياة، والنهر لا يجري في ذات المكان مرتين. ولكن في النهاية ينتصر المفكر، ويكون المجتمع هو الخاسر في النهاية. من هنا يأتي دور الدولة في تبني أفكار مفكريها، وهذا ما حدث في المجتمعات المتجددة.

ويقول "الحمد": "يمكن أن نعترف أن عرب اليوم هم عالة على حضارة العصر، وليس من العيب الاعتراف بذلك؛ فالأخذ بالعزة في الإثم هو الذي أوردنا المهالك، ولولا النفط لما سمع بنا أحد، بل ولما كنا شيئاً مذكوراً. قد يُغضب كلامي هذا البعض من باب الكبرياء وعزة النفس؛ ولكن هذا هو واقع الحال، ومن يريد عزة النفس لا ينكر الواقع بل يحاول أن يغيره، لا بالعنف ولكن بالمنجز الحضاري. في منتصف الخمسينيات، كانت كوريا الجنوبية مثلاً دولة في غاية التخلف، وهي اليوم من أكثر الدول تقدماً. إنها ثقافة الإنجاز، لا ثقافة البكاء على الأطلال".

وبشأن القضية الفلسطينية، قال: "لو أننا تعاملنا مع القضية الفلسطينية منذ البداية على أنها تنافس حضاري، ماذا سيكون عليه وضعنا اليوم؟ بل تصور لو أن العرب اقتنصوا كل فرصة للسلام بشروطهم، كيف يكون الوضع؟ لو أنهم عملوا بنصيحة بورقيبة، أو أنهم تفاوضوا مع إسرائيل بعد ١٩٦٧، كيف يكون الوضع؟ وها نحن اليوم في وضع مزر.

قضية منسية، ورفاق يتقاتلون باسم القضية الممزقة بين فتحاوي وحماسي وإيراني وغيرهم، إنها الأيديولوجيا والمصالح الذاتية التي أجهزت على "قضية العرب الأولى"، والفلسطينيين قبل غيرهم. قضيتي اليوم التي أعتبرها الأولى هي دخول بلدي للمضمار الحضاري المعاصر؛ فبهذه الطريقة وحدها أستطيع القول إننا نحمي وجودنا. إسرائيل هزمتنا حضارياً قبل أن تهزمنا عسكرياً، وهذا ما لا نريد الاعتراف به. العزة بالإثم مرة أخرى.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org