إمام المسجد النبوي: الإصرار على الذنب والأمن من مكر الله سبب الهلاك

قال: الخطب يعظم على المسيء يوم القيامة إذا رأى الصغائر تتعاظم وتنمو
إمام المسجد النبوي: الإصرار على الذنب والأمن من مكر الله سبب الهلاك

حذر إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان من الوقوع في المعاصي والشبهات، واتباع شهوات النفس والمنكرات، داعياً إلى المسارعة إلى التوبة والابتعاد عن ما نهى الله عنه، مما يستوجب عذابه وعقابه.

وقال في خطبة الجمعة اليوم: الطاعة هي الامتثال والاتباع، والمعصية هي المخالفة والابتداع، وشر الأمور البدع والمحدثات، والمعاصي والمنكرات، وأشدّها بلاءً الشهوات والشبهات، ويجب الحرص على تقوى الله فيما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر.

وأضاف: خلق الله تعالى الإنسان ووهبه العقل واللسان، وخاطبه بالشرائع وعلمه البيان، وأرسل الرسل بالبينات وأنزل معهم الكتاب والميزان، وقدّر الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، خلق الإنسان لطاعته الموجبة لمرضاته، ونهاه عن معصيته الموجبة لسخطه، "مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه"، وجعل الدنيا دار عمل وابتلاء، وكتب لها الفناء، والآخرة دار الحساب والجزاء، وكتب لها الدوام والبقاء، "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ" فأعد للمتقين جنت تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأعدّ للكافرين نار جهنم لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر، "لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً جَزَاءً وِفَاقاً".

وأردف: الإنسان ممتحن بالشهوات والشبهات، مندفع في الملذات وفي الراحات، مبتلى بالمعاصي والسيئات، تسلّط عليه أعداؤه وخصماؤه، فالشيطان قرينه وعدوه الألدّ، والنفس أمارة بالسوء وهي في حضن الجسد، والجوارح خصوم تشهد، وقد أقسم الشيطان فقال "فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ" وأخبرنا الله عن النفس في قوله سبحانه "النَّفْس لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ" وعن الجوارح فقال "يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"، "وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ" فالشيطان يؤز إلى المعاصي والموبقات، والنفس تأمر بالسوء والمنكرات، والجوارح شهود إثبات، والكيّس من دان نفسه وألجمها عن الوقوع في السيئات.

وتابع: مقارفة الذنوب والمعاصي ضرر وفساد، تستوجب غضب الله تعالى ومقته وعذابه، وتستنزل نقمه وبلاءه، "وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ".

وقال "البعيجان": ما يحل بالمسلمين من فتن ولأواء ومحن وغلاء، وتسلّط الأعداء، وجدب الأرض وقحط السماء، وأمراض وأوجاع وبلاء، إنما هو من آثار المعاصي والسيئات والذنوب والمنكرات، والله عز وجل ضرب الأمثلة لمن يعتبر، وصرف الآيات فهل من مدّكر؟ كما أن المعاصي من أعظم أسباب زوال النعم وحلول النقم، لقوله سبحانه "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ" فما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره.

وأضاف: خطر المعاصي يعظم، ويشدّ خطبها وبلاؤها ومصيبتها إذا أصبحت مألوفة والناس يجاهرون بها، مكشوفة والناس يبارزون الله بها، وكل أمة محمد صلى الله عليه وسلم معافى إلا المجاهرون، ولن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم، والمجاهرة بالمعاصي استخفاف بحق الله، وجرأة على الله، وعناد للمؤمنين، وتكثير لسواد العاصين، وتعدية لأثر المعصية إلى الغير، وسبب في جرّهم إليها وإغرائهم بها، والتسبب في تأثيم من لم يمكر، فمن ابتلي بالمعاصي، فليستتر بستر الله عزّ وجل، وليبادر بالتوبة النصوح.

وأردف: الإصرار على الذنب، والاسترسال في المعاصي، والاستغراق في السيئات، والفرح بها والجرأة عليها، والأمن من مكر الله، واستصغار الخطايا، مؤذن بالغفلة والسخط، وسبب للشقاء والهلاك، ونورد هنا ما رواه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن عل الرجل حتى يهلكنه)، كما ضرب لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً: كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق، فيجيء بالعود، حتى يجمعوا سواداً، فأجّجوا ناراً، وانضجوا ما قذفوا فيها) رواه أحمد .

وتابع: الخطب يعظم على المسيء يوم القيامة إذا رأى الصغائر ومحقرات الذنوب قد أحصيت وربت ونمت، فيفزع ويقول: "يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا".

وقال "البعيجان": خطر المعاصي يعظم ويفجع، وبلاءها ومصيبتها تكبر وتفزع، إذا أصبحت معروفة وقد أقرها الناس، فلا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ ، كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ"، وما رواه أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه).

وأضاف: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهو الأمان من نزول البلاء، والعصمة من كيد الأعداء والسفهاء، وقد أمر الله به، وحثّ عليه فقال: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".

ودعا إلى الأمر بالمعروف بالمعروف، والنهي عن المنكر بالمعروف، حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام: من رأى منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أَضعف الإيمان" .

وأكد أهمية اتباع السنة والحذر من محدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org