مغالطات الأتراك و"قورشون".. إلى هذا الصحابي يُنسب الرواق العثماني

مزاعم نسفها "الطريفي".. وادعاءات فنّدها الطرح التاريخي
مغالطات الأتراك و"قورشون".. إلى هذا الصحابي يُنسب الرواق العثماني

ما بين الفينة والأخرى تطفو على السطح الأحاديث والجدالات حول نسبة الرواق العثماني، وتعود لتشكل مادة دسمة للتغريدات والتدوينات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ولا شك فإن جزءاً من تلك النقاشات يثيرها كتاب أتراك، أو آخرون ممّن يتماهون مع الرواية التركية صائبة كانت أو خاطئة؛ في محاولة لتزييف الحقائق، أو تدليس الوقائع.

ومن بين تلك القضايا كان الرواق العثماني الذي انتفضت له الأقلام التركية للحديث عنه، ومحاولة إلباسه ما ليس فيه، ونسبته إلى العثمانيين، ومنها مقالات الأكاديمي التركي زكريا قورشون؛ الذي أفحمه الأكاديمي والإعلامي السعودي طلال الطريفي؛ في سلسلة مقالات رداً على مزاعمه، وكذلك الكاتبة الأردنية إحسان الفقيه؛ التي تعمل في وكالة "الأناضول" التركية، واتسمت كتاباتها في هذا الشأن بعدم الدقة والاتزان، فبعد أن زعمت نسبة الرواق إلى العثمانيين في مقال نشرته "الأناضول" في شهر أبريل الماضي، عادت لتعدله دون الإشارة إلى التعديل، والإقرار بالخطأ، وتنسبه إلى الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.

واستفاض "الطريفي"؛ من خلال سلسلة مقالاته في صحيفة "الشرق الأوسط" -التي صدرت منها حلقتان حتى الآن- في إسقاط وتفنيد مزاعم "قورشون"، ونسف أطروحات مَن يسير ويتماهى مع الروايات التركية المزيّفة للتاريخ، وذلك عبر الغوص في أمهات ومصادر الكتب التاريخية.

ومن خلال هذا التقرير تستعرض "سبق" جزءاً من تلك الحقائق أيضاً عبر التدقيق في المراجع التاريخية التي سبقت ظهور الدولة العثمانية إلى النور.

حقيقة نسبة الرواق

فعلى مر الزمان مرت عمارة المسجد الحرام بعددٍ من التطويرات والتحديثات، وتكشف المراجع التاريخية التي كتبت قبل بزوغ الدولة العثمانية، وفي فترة أوجها، عن حقائق مثيرة للجدل بشأن حقيقة الإصلاحات والترميمات التي تمت للمسجد الحرام في العهد العثماني، ونسبة الرواق العثماني، الذي يجادل الأتراك فيه.

وتتعدّد المصنفات والمراجع التاريخية في نسبة الأروقة إلى أول مَن اتخذها وشيّدها؛ إذ يذكر الإمام والفقيه المصري بدرالدين الزركشي في كتابه "إعلام الساجد بأحكام المساجد" (تحقيق أبو الوفا مصطفى المراغي) في الصفحة رقم 57 في فصل "ذكر من بنى المسجد الحرام"، إن الخليفة الراشد عثمان بن عفان في أثناء خلافته الراشدة بنى المسجد والأروقة، إذ يقول نصاً: "ثم لما استخلف عثمان -رضي الله عنه- اشترى دوراً آخر، ووسّعه أيضاً، وبنى المسجد والأروقة وكان عثمان أول مَن اتخذ الأروقة".

ويُلاحظ هنا ذكر "الزركشي" للخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أنه مَن بنى أروقة المسجد الحرام، وأول مَن اتخذها، وهو ما يعضد من فكرة نسبة الأروقة إلى ذي النورين، وليس إلى الدولة العثمانية التي كانت حديثة عهد، ولم يكن لها وجود في المنطقة العربية في أثناء كتابة هذا المرجع التاريخي.

أما ما يذكره المؤرخ والأديب الدمشقي ابن فضل الله العمري، فلا يختلف كثيراً عمّا ذكره "الزركشي"، وذلك في صفة المسجد الحرام المحيط بالكعبة، فيستشهد بما ذكره الماوردي والأزرقي، بأن الصحابي الجليل عثمان بن عفان -رضي الله عنه- هو مَن بنى الأروقة في أثناء خلافته.. إذ يقول في الجزء الأول من كتابه "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (تحقيق أحمد زكي باشا) في الصفحة 105: "ثم لما استخلف عثمان، ابتاع منازل ووسعه بها. وبنى الأروقة للمسجد، فيما ذكر الأزرقي والماوردي وغيرهما.

حقيقة إصلاحات العثمانيين

ويكشف لنا التدقيق في المراجع التاريخية حقائق أخرى، من بينها حقيقة الإصلاحات التي تمت للحرم المكي في العهد العثماني، بعد أن دانت السيطرة للعثمانيين على الحرمين بعد هزيمة المماليك في معركة "مرج دابق".

ففي عهد السلطان العثماني سليم خان، في عام 979 هـ، احتاج المسجد الحرام إلى الترميم والإصلاح، إذ مال الرواق الشرقي نحو الكعبة الشريفة، وبرزت رؤوس الأخشاب التي كانت تغطي سقفه.. وهنا يذكر المؤرخ قطب الدين النهروالي، الذي عاش بمكة المكرّمة وعاصر الدولة العثمانية، في كتابه "الإعلام بأعلام بيت الله الحرام"، أن السلطان العثماني عهد إلى حاكم مصر سنان باشا؛ بتكليف أحد أمراء الأقاليم المصرية بتلك المهمة، ولكن لم يُقبل عليها أحد؛ لمشقتها وكثرة أشغالهم، بحسب ما ذكر في المرجع التاريخي، وهو ما يوحي بأن المهمة قد تكلفهم أموالاً تدفع من خزانتهم أو الخزانة المصرية، التي كانت ولاية عثمانية لا يمكنها رفض ذلك.

ويشير "النهروالي"؛ بعد سرد طويل في كتابه المشار إليه سابقاً، إلى قبول أحد أمراء مصر ويُدعى أحمد بك؛ لمهمة إصلاح ما تلف من المسجد الحرام، فشرع إلى تجديد أروقة الحرم، وتركيب القباب، وأهلتها التي صُنعت في مصر من النحاس، وطُليت بالذهب، كما نُقلت الأخشاب من مصر، وغيرها من لوازم العمل؛ ليكتمل العمل في عهد السلطان العثماني مراد بن سليم بعد وفاة والده في أثناء الإصلاحات.

وما قد يدلل على تكفل مصر بقيمة الإصلاحات، وليست الدولة العثمانية، ما أشار إليه الكاتب سعد بن زايد آل محمود؛ في مقال "كسوة مصر للكعبة المشرّفة شرف عبر التاريخ" على موقع "مداد"، بقوله: "على الرغم من السيادة العثمانية على كل الأمصار إلا أن مصر كولاية عثمانية ظلت تتولى عمارة المسجد الحرام بأموال ومواد بناء ومهندسين وعمال مصريين".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org