الليث تستغيث يا خادم الحرمين

الليث تستغيث يا خادم الحرمين

أستطيع أن أقول وأنا مرتاح الضمير بأن كلاً من: وزارة المياه والبلديات والدفاع المدني، قد فشل في التعامل مع السيول الأخيرة التي اجتاحت المحافظة واكتسحت شوارعها وطمرت منازلها، فالوزارة المسؤولة عن السد ضحكت على المواطنين بعقم ترابي استغرق بناؤه 27 عاماً، والبلدية أصيبت بسكتة مفاجئة، واكتفى الدفاع المدني "بالفرجة" ومرافقة السيل دون أن ينبه المواطنين أو يحذرهم من قدوم السيل، حتى رأوه أمام أعينهم غير مصدقين ما يحدث وكأنه حُلُم، ولا أظن أن المحافظ يدير ملف الأزمة والتنسيق بكفاءة بين هذه الإدارات لمواجهة أي طارئ، والدليل أن الكثير من المسافرين باتوا في العراء، بعد أن أُغِلقت الطرق ولم يجدوا مراكز إيواء في المحافظة.

لقد أصبح الحديث عن الفساد وتعطيله للتنمية حديثاً مستهلكاً وممجوجاً لا طائل منه، فمن أكل الفطير وطار لا يمكن الإمساك به، غير أن أزمة الإدارة في طريقة التعامل مع الكوارث لا تزال غنية للحديث عنها، وقد تسببت هذه المرة في غرق البلد خلال ساعات بسيطة، فحي الكليبية لم يسمع صافرة إنذار واحدة تحذر المواطنين، وترك المهمة لوسائل التواصل، أحدهم يهوّل حجم السيل، والآخر يهوّن من حجم الخط، فغرق الحي بالكامل، وخربت الممتلكات والسيارات، ومع ذلك سيستقبل بعد أيام طلبات الراغبين في التعويض، وستكون بملايين الريالات، وهنا أتساءل: ألم يكن من الأولى للدفاع المدني إخلاء الحي من السكان والحفاظ على الممتلكات؟ من سيحاسب المسؤول وهو يعلم جيداً أن السيل سيأخذ طريقه إلى البحر ويمر عبر هذا الحي، ومع ذلك لم يصنع شيئاً؟.

أما سد وادي الليث فهو أسطورة مأساوية تجاوز تاريخها ربع قرن، فمنذ اعتماده مرّ على الوزارة أكثر من أربعة وزراء، وتغيّر مسمى الوزارة ثلاث مرات، ومع ذلك لم ينشأ حتى الآن، ولا أمل حتى في إنشائه، ولا يمكن أن يغني السد الترابي المؤقت عن حماية مدينة يقطنها 30000 نسمة، وربما كانت مشغولة بإحياء الغطاء النباتي، ومكافحة التصحر، وسمعة هذه الوزارة سيئة للغاية مع هذه المدينة، فلا سدود تحميها، ولا قنوات صرف لطرد المياه، ولا حتى شبكات مياه تطفئ عطشها، ولا يعرف أهل الليث عن هذه الوزارة شيئاً سوى ملاحقة أصحاب الفحم ومصادرة أكياسهم السوداء.

أما وزارة الشؤون البلدية فسلمت الحمل لأمانة جدة، وأمانة جدة أعطت الراية لبلدية الليث، وعجزت البلدية بمعداتها القليلة عن عمل شيء يستحق الذكر، فاجتاحتها نوبة من العجز والشلل، فالشوارع غرقت بمياه السيول، والأحياء غطتها تجمعات المياه، وأصبح السير في الشارع أشبه بمغامرة غير محسوبة العواقب، فالسيارات لا تزال تغرق وتتوقف في برك المياه بعد يومين من السيول، وشعرت البلدية كأنها على غير موعد مع السيول، وتعاملت معه بارتباك كأنه يدخل للمرة الأولى ولا تمتلك حتى خطة لحرف السيول عن الأحياء، وإزالة معيقات السيول عن العبارات، أو التعامل مع مخلفاته بعد ذلك، ولم تصنع شيئاً مع شركة الروبيان التي كادت أن تٌغرق الليث بعقومها على الكورنيش، مما أعاد السيول إلى الأحياء من جديد.

خلاصة القول إننا نحمد الله أن الخسائر لم تكن هذه المرة في الأرواح، كما حدث في المرة السابقة، لكن أقل ما يقال عن ما حصل في الليث إنه استهانة بأرواح الناس، وعدم وجود خطة للوقاية من آثار الكوارث، وعدم تقدير لتداعيات وخطر هذه السيول والأمطار، بل هو عدم استفادة من أحداث سيول جدة، وكأنهم بذلك يريدون أن يخوضوا فشل التجربة بأنفسهم دون أن يكلفهم ذلك مساءلة من الحكومة أو من الأهالي، والرجاء الذي يرفعه المواطنون اليوم هو أن تصل أصواتهم إلى ملك هذه البلاد بأن يجنّبهم كارثة أخرى، لاسيما ونحن لا نزال في بداية موسم الأمطار والسيول.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org