من الخطوط الأمامية لمواجهة "كورونا" بإيطاليا.. طبيب سعودي يسرد مواقف مبكية.. وهذه أصعب اللحظات

رفض العودة وفضَّل أداء واجبه بكل شجاعة
من الخطوط الأمامية لمواجهة "كورونا" بإيطاليا.. طبيب سعودي يسرد مواقف مبكية.. وهذه أصعب اللحظات

إرهاق شديد، وعبء كبير على كاهله.. إجراءات وقائية مطولة ومرهقة.. مشاعر مختلطة، ودموع تُذرف على فراق الأحباء.. وفيروس قاتل يجوب الأرجاء بحثًا عن فريسته.. ورائحة الموت تزكم الأنوف.. إلا أن كل هذا لم يُثنِ ناصر إبراهيم العبد العالي عن أداء واجبه بوصفه طبيبًا، وتمثيل السعودية خير تمثيل في إحدى كبرى بؤر "كوفيد 19" في أوروبا والعالم.. تلك باختصار قصة طبيب سعودي في إيطاليا في الخطوط الأمامية لمجابهة العدو الخفي.

يروي "العبدالعالي" لـ"سبق" كيف يعيش في إيطاليا محاصَرًا بين فيروس لا يرحم كبيرًا ولا صغيرًا، وجثث الموتى التي تمتلئ بها المستشفيات.. وبين هذا وذاك كيف يؤدي واجبه بوصفه طبيبًا حديث التخرج، لم يخذل البلد الذي فتح له أبوابه؛ ففضّل البقاء فيه لمحاربة العدو الأول للبشرية حاليًا؛ حتى يستطيع أن يستعيد التقاط أنفاسه.

منطلق إنساني

في أحد مستشفيات مدينة لودي جنوب ميلان يمارس الطبيب السعودي عمله، ولكن لماذا لم يرحل إلى السعودية، وفضل البقاء في إيطاليا؟ يجيب ابن عنيزة من منطلق إنساني: "واجبي بوصفي طبيبًا تقديم المساعدة في هذه الظروف الصعبة، وكذلك تمثيل بلدي السعودية أحسن تمثيل تطبيقًا لمقولة (خير سفير لخير بلد)".

تلك الأسباب الإنسانية التي يسردها "العبدالعالي" لم تتمالك معها كبيرة الأطباء في المستشفى دموعها؛ فانهمرت، خاصة عندما نما إلى علمها تفاصيل خطة السعودية لإجلاء رعاياها من إيطاليا؛ فأثنت على الطبيب السعودي، ومكافحته مع أهل إيطاليا في محنتهم الهائلة.

الثناء على موقف الطبيب السعودي للبقاء في إيطاليا يتجلى عندما يعلم زملاؤه في الطاقم الطبي أنه السعودي والأجنبي الوحيد بينهم؛ إذ يقول: "أجد الترحيب العميق في الحقيقة. الكثير يقول لي (باسم جميع الإيطاليين نود أن نشكرك). كما أبدى الكثيرون منهم رغبتهم بزيارة السعودية بعد زوال جائحة كورونا".

إرهاق ومواقف مؤثرة

وبالرغم من إرهاق العمل من الناحية النفسية والجسدية، وساعات العمل الطويلة، وعدد الحالات الكثيرة، وتقلُّب المناوبات بشكل دوري، فضلاً عن ارتداء الملابس الواقية، منها 3 كمامات لساعات طويلة؛ ما يشكِّل تحديًا كبيرًا للطبيب السعودي، إلا أن ذلك لا يشكِّل إلا القليل من أعبائه؛ فأصعب ما يلاقيه عندما يضطر إلى إبلاغ أقارب المرضى بوفاة أحبائهم. وعن هذا يقول: "حينما أتصل على أهالي المتوفين، وأبلِّغهم بنبأ وفاة قريبهم المنوَّم في المستشفى، يدخلون في نوبة بكاء. والبعض يكون مذهولاً، ويطلب مني مثلاً التأكد أكثر من مرة عبر فحص تخطيط القلب، وبعضهم يطلب مني أن أسمح لهم بإقامة الجنازة وتشييعهم، ولكن ذلك ممنوع خوفًا عليهم من انتقال العدوى. وآخرون يطلبون السلام الأخير، ولو كان عبر البلكونة".

ويضيف: "كذلك حينما ينمو إلى علمي أن بعض الكادر الطبي لم يذهب لبيته، ولم يرَ أطفاله منذ 3 أو 4 أسابيع، خاصة إذا كانت الأم غائبة عن أطفالها". ويتابع: "كل هذه القصص المؤثرة أشاهدها وأسمعها بشكل متكرر. ومن هنا أوجه دعوة ورجاء خاصًّا لكل من يقرأ هذه الكلمات بألا يستهين بهذا المرض؛ لكيلا نصل إلى هذا المستوى من الأسى".

خطورة الوضع

وبلغت أعداد الإصابات الإجمالية في إيطاليا نحو 135 ألف إصابة، فيما وصلت الوفيات إلى 17 ألفًا تقريبا، وهو الرقم الأكبر في العالم حاليًا.

وبالرغم من خطورة الوضع في إيطاليا إلا أن الشاب السعودي يرى أن البلاد نجحت في الفترة الأخيرة في تقليل أعداد الإصابات الوفيات. وفي هذا الصدد يقول: "نعم، هناك تذبذب، ولكن لا يوجد ارتفاع كبير في الاصابات والوفيات كما كان في السابق، ولكن لا يزال الوضع خطيرًا جدًّا".

موقف السفارة المشرف

وعبَّر "العبدالعالي" عن شكره وتقديرخ لموقف السفارة السعودية، ومتابعتها له، وقال: "السفارة ممثلة في السفير الأمير فيصل بن سطام بن عبدالعزيز قامت بعمل جبار. وهذه كلمة حق يجب أن تُقال، بداية من سموه الكريم الذي تواصل معي مباشرة بنفسه مشكورًا حينما علم بأنني لم أرجع للمملكة، وأشاد بعملي، ونصحني باتباع أعلى معايير السلامة لتجنب العدوى من الفيروس في المستشفى، وكذلك عرض عليّ الدعم بجميع السبل".

وأردف: "كذلك أشكر مدير مكتب السفير فيصل الداوود الذي يتواصل تقريبًا بشكل يومي مع جميع الطلاب والمواطنين العالقين في إيطاليا، حتى أنه عرض عليّ القدوم لروما، والاستقرار في فندق 5 نجوم حتى انتهاء خطر الجائحة في شمال إيطاليا. وكذلك الملحق الثقافي الدكتور عبدالعزيز الغريب الذي لم يتوانَ في التواصل بشكل يومي مع جميع الطلاب، حتى مع الطلاب الذين وقَّعوا تعهدًا بالبقاء في إيطاليا على مسؤوليتهم الخاصة. وحقيقة، نحن السعوديين، مواطنين أو طلابًا في إيطاليا، لم نحس بالغربة في هذه الجائحة، ونشعر بالفخر بأننا ننتمي لهذا الوطن".

متى العودة للوطن؟

ولكن متى يعود ابن السعودية إلى أرض الوطن؛ ليقدم خلاصة خبراته، وسنوات دراسته التي امتدت في إيطاليا منذ عام 2012 إلى 2019 ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث؟ وهنا يقول: "بالتأكيد سأعود للمملكة بلدي الذي قدَّم لي أنواع الدعم كافة منذ عام 2011، ولا يزال يقدم الكثير. أتمنى العودة يومًا ما لرد جزء من الجميل له، ولكن أتوقع أن رحلة العودة للوطن ستتأخر لبضع سنوات".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org