الطائفية حجر زاوية الفتنة

الطائفية حجر زاوية الفتنة

كل تجمع بشري - كما قيل - ينبغي أن يكون وفق قانون، يشرع لهم تداول الحياة بطريقة لائقة؛ وعليه فانتماء المسلم لا بد أن يكون للحق الذي حققه الله في كتابه، وحققه رسوله - صلى الله عليه وسلم - في سنته، وهو الإسلام العظيم البريء من التيارات والأحزاب المرتزقة على مائدته. قال جل وعز: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} [سورة الحج:78]‏، وقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [سورة الحجرات:10]‏.

ومن هنا فالانتماء إلى الإسلام، والنسبة إليه قبل كل نسبة، وفوق كل راية. قال مالك - رحمه الله -:

"وأهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به"؛ فالولاء معقود على أساس الإسلام إذن؛ ومن هنا سمَّى الله أهل الإيمان طائفة، كما أنه أطلق -جل وعز- في مقابلها طائفة الكافرين أو المنافقين، فقال سبحانه {وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [سورة الأعراف:87]‏.

فأصل الطائفية في لغة العرب من طاف بالشيء يطوف طوفًا وطوافًا استدار به. والطائفة الفرقة من الناس، والطائفة القطعة من الشيء، والطائفة من الناس الجماعة، وأقلها ثلاثة، وربما أُطلقت على الواحد والاثنين، ومنه قوله جل وعز: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة النور: 2].

هذا في لغة العرب، بيد أن مفهوم الطائفية من مفاهيم علم الاجتماع عامة، وعلم الاجتماع السياسي خاصة، وقد عُرفت الطائفية اصطلاحًا، بتعريفات عديدة، منها:

تمسك الجماعة بمصالحها، ومنظومة قيمها المشتركة، وتعصبها في الحق والباطل.

فهي تمسُّك الجماعة بمصالحها ومنظومتها الفكرية التي تجذر تحيزها عمن سواها من أهل الإسلام.

ومن هنا ظهرت أهمية المناقشة حول هذا المفهوم، وحول آثاره؛ فلا بد أن تستيقن أمة الإسلام جميعًا أنه لا طريق إلا دين الله، ولا شرع إلا شرع الله، ولا نهج إلا نهج محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [سورة المائدة:50].

وهذا ما أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم-؛ فقد جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: "افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة".

ولا بد لهذا التشظي من مبررات وأسباب، منها:

الاحتباس التاريخي لطائفة من الطوائف؛ فارتباط بعض المجتمعات سلبيًّا بالموروثات التاريخية مما يجعلها حبيسة التاريخ، ومرتهنة له؛ وهو ما يسهم في الغوص في الطائفة العميقة، ويزرع الولاءات الصلبة لها. وهذا ثمرة من ثمار غياب ثقافة التعددية الفكرية، وثقافة التوافق المجتمعية؛

فيسهم ذلك في وجود أمراض ذاتية ونفسية وأخلاقية ناتجة من طبيعة وبيئة المنظومة الاجتماعية والفكرية في المجتمعات؛ وهو ما يجعل كل طائفة تنتصر لفكرها ومعتقدها، بل تستميت دون ذلك..

حتى إنه ليُسهم ذلك في بروز الأصوات المطالبة بالهويات الخاصة العرقية والدينية والمذهبية، بل الحزبية الفكرية في الدوائر الضيقة جدًّا..

ثم تتم غلبة الهوية الأقرب إلى الذات المتمثلة في القبيلة والطائفة والمذهب أو الحزب على الهويات العامة الجامعة، كهوية المواطنة أو هوية الإسلام العظيم.. ولا شك أن من خطورة ذلك نمو جذور الطائفية في المجتمعات المسلمة؛ وهو ما يفضي إلى تفتيت وحدة المسلمين، وتفريق كلمتهم. وهذا من أعظم مخاطر الطائفية، حيث إضعاف قوة المسلمين، وتوهين قواهم الأخرى المادية والمعنوية، وتبديدها في الفتن الداخلية، وفي أشكال الصراع التي تثار فيما بينهم بسبب الطائفية المقيتة؛ وهو ما يسهم في تزايد الأزمات الداخلية في بلدان المسلمين، فضلاً عما يحمل أرباب التوجيه له من التقول في دين الله دون علم وبرهان. وهذا – والله - من شر ما ابتُليت به هذه الأمة، أعني كلام الناس في دين الله بغير علم.. ومن أشر أنواع الجهل: القول في دين الله بغير علم؛ وذلك أن الجاهل قد يسعى إلى الإصلاح؛ فينتهج طرقًا يظنها حسنة؛ فيسيء من حيث أراد الإحسان؛ فيترتب على ذلك مفاسد عظيمة؛ لذا لزم التنبيه على هذا المفهوم، وبيان خطورته، وأنه حجر زاوية الفتن - نعوذ بالله منها -؛ وعليه فمن واجب أرباب التأثير في البلدان المسلمة علاج هذا الخلل من خلال العمل على إقامة العدل، وتحقيق المساواة بين جميع المواطنين في سائر الحقوق والواجبات.

وكذلك السعي لتطوير منظومة الوعي لغرض تجاوز التقاطع في الأسس الفكرية والثقافية في المجتمع الواحد، وكذلك القيام بأعمال تسهم بتقريب وجهات النظر بين الثقافات المختلفة، التي بدورها تمنع حدوث أية أعمال متطرفة تشجع على المخاطر، وتهز الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي. أيضًا مقاومة مظاهر الطائفية والحد من العوامل المغذية للكراهية، وخصوصًا في مجال الإعلام، وتشجيع مبادرات التعارف المذهبي، بل الديني والثقافي بما يحقق التفاعل الإيجابي في المجتمع؛ فإن دين الإسلام جاء بالأمر بالاجتماع، وأوجب الله ذلك في كتابه، وحرَّم التفرق، وذم التحزب، قال جل وعز: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [سورة آل عمران:103]؛ فالجماعة هي الأصل، وملازمتها هو المطلوب..

بقي أن أقول:

ينبغي على أهل العلم حث الناس على تحقيق معنى الأخوَّة في الإسلام، ووحدة الأمة، والحث على تحقيق مقتضياتها، والبُعد عن كل ما من شأنه أن يثير الفتنة الطائفية، أو يهيج النزاعات العرقية.. وكمال الحرص على الاهتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في نبذ الفُرقة والطائفية على أساس العنصرية أو اللون؛ إذ إن الدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي جاء ليقرر أنه لا فَرْق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، قال جل وعز: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [سورة الحجرات:13].

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org