معالي الوزير.. البنك على حافة الإفلاس

معالي الوزير.. البنك على حافة الإفلاس

معاناة كبيرة يواجهها المرضى وأفراد أسرهم عندما يستلزم الأمر ضرورة حصولهم على الدم أو عند الطلب منهم بتعويض ما حصلوا عليه من دم. والكم الهائل من نداءات التبرع بالدم والتي يتم تداولها عبر وسائل التواصل المختلفة، متعبة لمن يعدها ومقلقلة لمن يتلقاها. وقبل أن يتحمس المتحدثون الرسميون للرد على الأسطر الأولى من المقال (في حال كان المقال محظوظاً بالوصول لهم، كحظ المريض الذي يحصل على موعد قريب لإجراء عمليته)، أقول لهم إن مقالي مجرد (انطباع) وصل عندي لمستوى الحقيقة بناء على حجم ما أتلقاه من رسائل، وما أتعايش معه من وقت لوقت حينما يقول لي صديق (تكفى فزعتك، أمي منومة بالمستشفى وطالبين كم رجال يتبرعون لها بالدم). وانطباعي ليس حجتي الوحيدة، فأنا حاصل على شهادة بإدارة المستشفيات وعملت في بداية حياتي المهنية في مستشفى الملك سلمان ولمدة ست سنوات قبل أن تفرق بيننا استقالتي.

بدأت القضية قبل ثلاثين عاماً (تحديدًا بالعام 1987م) عندما صدر قرار من شقين، الشق الأول يقضي بمنع استيراد الدم، والشق الثاني يختص باعتماد استراتيجية وطنية لتحفيز التبرع بالدم محلياً. القرار جاء بعد اكتشاف خطر الإصابة بمرض الإيدز عن طريق الدم الملوث في ذلك الوقت. كان القرار مهماً وضرورياً في وقته، وحتى لو استمر قرار منع استيراد الدم لقرون قادمة، فثقة واقتناع الناس بأهمية وفوائد القرار مستمرة طالما كانت خزائن بنوك الدم (عمرانة). ولكن العتب القائم يخص الاستراتيجية الوطنية للتبرع بالدم. فلا أحتاج أن أعرض أرقاماً توضح النمو الهائل في سكان المملكة اليوم من مقارنة بالثلاثين سنة الماضية، والذي لم يقابله أي تطوير للاستراتيجية بنسبة تقابل نسبة النمو السكاني.

أنا متأكد من أنه قد تم طرح الموضوع ًعلامياً بشكل كبير خلال الثلاثة عقود الماضية، ولكون المشكلة (على حطة إيدك)، فتحمست لمتابعة رسالة ومطالبات الأجيال السابقة، خصوصاً بعد اطلاعي على بعض الأحداث الكثيرة والتي حصلت في عام منع استيراد الدم والأعوام التي تليه والتي بينت لي طول المدة. من تلك الأحداث وباختصار شديد، حصول الأديب المصري نجيب محفوظ على جائزة نوبل 87م، حصول السعودية على كأس آسيا للمرة الثانية 88م، غزو العراق للكويت 90م، وصول السعودية لكأس العالم لأول مرة عام 94م، حصول السعودية على كأس آسيا للمرة الثالثة 96م، والعديد من الأحداث التاريخية حتى عامنا الحالي.

تحديات ومشاكل الثمانينات انقرضت، وبقيت مشكلة نقص الدم شامخة أمام عشرة وزراء للصحة، منهم اثنان بالتكليف، ابتداءً بمعالي الوزير فيصل الحجيلان، وانتهاءً بمعالي توفيق الربيعة الوزير الحالي. ولكون معالي الوزير مهتم بالإبداع وإدارة التغيير والتطوير، يجعلني متفائلاً بدرجة كبيرة بأن معضلة توفر الدم ستنقرض كما انقرضت مشاكل الثمانينات.

وبدلاً من تسليط الضوء على المشكلة فقط، سأطرح بعض المبادرات المتواضعة والتي أعتقد أنها ستساهم وقتياً بزيادة مخزون الدم. وهي ببساطة، الذهاب للمتبرعين بدلاً من اشتراط حضورهم، تمديد فترات عمل بنوك الدم بدلاً من تخصيص أوقات محددة لاستقبال المتبرعين، تواجد بنوك الدم بالقرب من أقسام الإسعاف، تطوير حوافز التبرع، مع اعتزاز الجميع بشرف الحصول على وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة، ونقل نشاط تحفيز المتبرعين والأوسمة من الإدارة العامة للمختبرات وبنوك الدم إلى إدارة أنسب كالعلاقات العامة.

توفر مخزون مناسب من الدم ليست مشكلة تتعامل معها وزارة الصحة فقط، فبعد البحث اتضح لي أنها مشكلة تعاني منها بعض الدول. كما أن عملية التبرع بالدم ليست سهلة كعملية اللقاح أو تضميد الجروح، هناك اشتراطات صحية يجب توفرها بالمتبرع، وهناك فحوصات الواجب القيام بها قبل التبرع، وقد يكون هناك العديد من العوائق الأخرى تواجه عملية التبرع بالدم ويجهلها الكثيرون وأنا منهم. ولكني متفائل أن بنك الدم بوزارة الصحة، لن يكون حتى قريباً من حافة الإفلاس إذا ناله شيء من اهتمام وحرص معالي الدكتور توفيق الربيعة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org