إيران ما بين خيارات معدومة وأوراق رهان تحترق .. "السلام أو فم التمساح"

نظام خصّص وقته وماله للتجنيد والإرهاب ونسي أن لديه شعباً معدماً يحلم بالرخاء
إيران ما بين خيارات معدومة وأوراق رهان تحترق .. "السلام أو فم التمساح"

كان من الممكن أن تكون إيران بعيدة عن المأزق الذي تعيشه لو لم تكن حكومتها هي الحالية على الأقل حكومة أخرى لا تدعم الإرهاب وتسهم في رخاء شعبها، ولكن النظام الإيراني خصّص وقته وماله للتجنيد والإرهاب وغيرها من الجرائم التي باتت أشهر من نار على علم.

من الطبيعي أن تكون لدى أيّ بلد أوراق يحتفظ بها للمآزق ويبارز بها خصومه أو قد يستخدمها لتثبيط العزم من المواجهة أياً كان نوعها، ولكن سنستعرض ما يمكن استعراضه من "كروت" أو خيارات إيران مع أمريكا وحلفائها، ونرى ما إذا كان هناك كرت لم يُحترق بعد وتراهن عليه.

النفط والأمن

كانت إيران تراهن في وقت سابق على أن لديها أوراقاً قد تحميها من العقوبات بشكل مطمئن نسبياً، وهو تدهور الأوضاع الأمنية في بعض الدول المصدّرة للنفط مما يجعلها القادرة على سد احتياج الأسواق, وكانت تراهن بتلك الورقة حتى الفرصة الأخيرة من العقوبات واستثناء عددٍ من الدول والسماح لها باستيراد نفط إيران، ولكن الأمل بدأ ينقطع عندما يسمع الإيرانيون التصريحات بقدرة السعودية النفطية وأرقامها الواقعية التي ستسد العجز حتماً، مما يجعلها تجهز ورقة أخرى.

تخريب وإرهاب

خلال الفترة الماضية برزت إيران في عديد من المشاهد وهي تحاول مواجهة العقوبات الأمريكية بعمليات عدة، أو كما يُقال حاولت أن تكون هي الصوت العالي في المشهد، فقد شهدت السفن عمليات تخريبية في البحر، ونفّذت ميليشيات إيران عمليات استهداف للمنشآت النفطية السعودية، وهي الخطوة التي يعدها النظام الإيراني ورقة صالحة للاستخدام حال استهداف المنشآت النفطية السعودية وتضرر عملية تصدير النفط السعودي، إذ تتوقع بذلك أنه من الممكن حينها تعليق العقوبات سواء كان بعمليات تخريبية في البحر ومنع سفن النفط, أو كان ذلك بعمليات إرهابية عبر ميليشياتها في الدول الأخرى, وهي الورقة التي تحترق بقدرات القوات المتحالفة لحماية مصالحها النفطية وغير النفطية بالطبع من الشرور الإيرانية في مختلف البلدان ومن بينها تحالف قوات دعم الشرعية في اليمن.

ولإيران تاريخ طويل في تلك الممارسات بهدف منع عبور ناقلات النفط من مضيق هرمز، ومنها عمليات الإرهاب الملاحي الذي تمارسه إيران وتحديداً في حادثة عمليتها الإرهابية المتمثلة في استهداف السفينةuss Samuel B.Roberts الأمريكية عام 1988 الذي ردّت عليه أمريكا بإغراق سفينتين حربيتين إيرانيتين وطرّادات عدة في عملية عسكرية استمرت 24 ساعة على الأقل، وقد يكون ذلك الدرس قديماً بالنسبة للإيرانيين، لكنه ليس سهل النسيان، وأن فعلتها مجدداً لن يكون الرد سهلاً، خصوصاً مع الحشد العسكري للحلفاء في المنطقة, وهذا ليس وحده فقد تمكنت الدول المتضررة من الإرهاب الايراني من قطع أذرعها وكشف تفاصيل تمويل هذه الأذرع، ومن بينها دول التحالف التي تواجه الذراع الإيرانية في اليمن التي أيضاً كانت تسير على النهج الإيراني من أجل تهديد الملاحة في البحر.

التصريحات الباهتة

وكذلك ورقة التصريحات التي باتت باهتة لكثر ما تستخدمها "تخويفاً"، فتحاول تحليل الحشد العسكري في المنطقة عبر تصريحات وتقول عبر المسؤول العسكري محمد باقري؛ إن لديها إستراتيجية هجومية حال شعورها بأيّ تحركات ضدّ إيران، وهي ورقة التصريحات المكررة؛ بل المنسوخة من خامنئي؛ الذي قال في 2016 إنه يدعو إلى تعزيز القدرات الهجومية على خلفية تصريحات حول المفاوضات النووية السابقة التي انتهى بها الحال إلى فرض عقوبة جديدة على إيران من قِبل أمريكا، وهو الأمر الذي دعا خامنئي؛ إلى مواجهته بالنار قبل مدة قصيرة، ومعها تصريحات روحاني 2016 التي جاءت لتحاول تثبيط تنفيذ قرار العقوبات، وتتمثل في تهديدات بعرقلة حركة الملاحة في هرمز وهي أيضاً ورقة لم تنجح.

الورقة الدبلوماسية

التاريخ السياسي لإيران ملطخٌ بالخيانات والالتفافات والالتواء؛ فالورقة الدبلوماسية السياسية لاعب أساسي في كل المراحل، ولكن إيران غالباً ما تبصق في البئر التي تشرب منها، ومن ثم تجبر وتعود إليها، ولكنها بالطبع لا تكون كما كانت عليها في السابق، فقبل عشرة أيام هاجم خامنئي؛ الصمود الأوروبي على الاتفاق وشكّك بصريح العبارة في أيّ دعمٍ يمكن لأوروبا تقديمه لإيران، وذلك ضمن رغبة إيران الجامحة في تجميد بعض بنود الاتفاق النووي مع أوروبا الذي حذّر منه عديد من الدول, ففي إيران من العيوب ما يجعلها على هوامش عشرات الدول بسبب تصرفاتها وعدم احترام القوانين والاتفاقات والمعاهدات، وهذا يأتي من بعد انتهاكها السيادة الدولية والتدخل في شؤون الدول وتمويل الإرهاب فيها ودعم زعزعتها، وهو بالتأكيد ما يدعو عديداً من الدول إلى عدم السماح لها بسحب عددٍ من بنود الاتفاق.

وأيضًا مما يظهر أن الجهاز الدبلوماسي فاشل إلى درجة أنه لم يتمكن من احتواء الأزمة بأيٍّ من مفاتيح الدبلوماسية التي تنجح غالباً إلا مع إيران، فقد كتب وزير الخارجية الإيراني الحالي، مقالة في مجلة "ذي أتلانتك" الأمريكية في أكتوبر 2017، قال فيه عن التهم التي تواجهها دولته بالتدخلات السافرة في البلدان الأخرى: "الشؤون العربية هي شأن إيران أيضاً، لن نتردّد بأن إيران معنية بالشؤون العربية، كيف لا تكون معنية؟ نحن نتشارك الحدود والمياه والموارد، وعندما نستخدم المجال الجوي لبعضنا، لا يمكن إلا نكون معنيين بكيف يؤثر جيراننا في تلك البقعة من العالم التي نسكنها" كانت هذه الجزئية من المقال كافية لإيضاح السقوط الدبلوماسي والسياسي كواحد من الخيارات التي قد تختارها إيران للخروج من هذا الوضع.

إمبراطورية الوهم

كانت تلوح فظائع إيران السياسية في الأفق منذ سنوات وتتلقى التهديدات، ولكن النظام مستمر في بناء إمبراطورية الوهم التي يجند لها صفوف الميليشيات في مختلف الدول، لكن النظام الإيراني يتلقى الآن العقوبات نظير ممارساته الإرهابية.

وتتضح ملامح من الورقة التي ستعتمد عليها إيران وهي تابعوها والميليشيات في الدول كورقة ضغط على السياسيين في تلك الدول من أجل الوقوف مع النظام الإيراني سياسياً في ظل ما سيتعرّض له من عقوبات قاسية، ولكن هذه الورقة يرى مراقبون أنها أضعف أوراق إيران في الوضع الحالي، خصوصاً في ظل انهيار ميليشياتها في عديدٍ من الدول، من بينها اليمن، التي بدأت الميليشيات الحوثية فيها الصراخ الفوري والتهديدات عندما انتقد معالي عادل الجبير السلوك الإيراني.

لا خيارات

الواقع هو لم يعد لدى إيران مزيدٌ من الخيارات لمواجهة القوى العالمية التي باتت تتكتل ضدّ نهجها المتطرف الذي يعبث بالأمن والاستقرار في كثير من الدول حول العالم عبر أذرعها التي تموّلها وتدعمها وتمارس وحشيتها وإجرامها لتحقيق الهدف الإيراني وهو زعزعة أمن العالم واستقراره, بل إن الأوراق التي تراهن إيران عليها لمواجهة الأزمة والخناق تكاد لم توجد في ظل وصول إيران إلى هذه المرحلة, فكيف يمكن أن توجد لدى إيران فرصة الخروج من فم التمساح بسلام، وهي مَن دخلت إليه بإرادتها؛ برفضها الانصياع للقرارات الدولية والالتزام بالاتفاقات والمعاهدات وغيرها, فإيران لو كانت تملك مزيداً من الأوراق لما كانت في هذا الوضع, ولكن النظام الايراني كان يمارس الإرهاب بصفته القيادية ويقود الشعب الإيراني إلى مهالك وجحيم توقده خطوات وهم الشيطان الأعظم.

والمتابع للمشهد الإيراني يتضح له جلياً أن إيران ستكون أفضل حالاً عندما تتبدل سلوكياتها العدوانية إلى سلمية وتنصاع للقرارات والاتفاقات والمعاهدات, وإلا فإن استمرارها سيقودها إلى مزيدٍ من المشكلات الاقتصادية أكثر مما هي عليه الآن حيث بلغ انخفاض صادرات النفط رقماً كبيراً، وتحدثت تقارير اقتصادية دولية أن الاقتصاد الإيراني تحت ضغط شديد جداً.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org