34 سنة "ديسكفري" .. لحظات لا تُنسى يتذكّرها "سلطان بن سلمان": حديث ملكين ومكالمتين

سرعة خارقة ومركبة منقلبة وصامولة تنفك .. تجارب وصيام وتردد وموافقة .. وكواليس فارقة
34 سنة "ديسكفري" .. لحظات لا تُنسى يتذكّرها "سلطان بن سلمان": حديث ملكين ومكالمتين

يحتفل العالم، اليوم، بالذكرى الخمسين لهبوط "أبوللو" على سطح القمر، والمملكة العربية السعودية كانت ومازالت تعمل بخطوات ثابتة لاستكشاف الفضاء الخارجي والاستفادة من ذلك لخير أبنائها والبشرية جمعاء، ففي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- صدر الأمر الكريم بتأسيس الهيئة السعودية للفضاء؛ لتكون المؤسسة المنوط بها التخطيط ورسم مستقبل المملكة في الفضاء الخارجي.

وجاء تأسيس الهيئة السعودية للفضاء تتويجاً للجهود المؤسسية في مجال الفضاء منذ تأسيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية التي نجحت على مدى السنوات الماضية في نقل وتوطين التقنيات المتقدمة، ومنها تقنيات الأقمار الصناعية، وبناء الكوادر الوطنية للتعامل مع هذه التقنيات، وإنشاء البنى التحتية المتطورة، مما مكّن المملكة من تطوير وتصنيع أقمار صناعية عدة جعلتها شريكاً إستراتيجياً قوياً وفاعلاً لشركات فضائية كبيرة تسيطر على هذه الصناعة وتؤثر في قراراتها ومشاريعها المقدمة للدول كافة.

واليوم نستذكر بكل فخر واعتزاز مشاركة الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز؛ كأول رائد فضاء عربي مسلم يصعد إلى الفضاء على متن المكوك الأمريكي "ديسكفري" في 17 يونيو 1985م؛ حيث قصة السعوديين الذين شاركوا في مهمة إطلاق المكوك الفضائي الأمريكي "ديسكفري" وتشكيل انجاز للأمتين العربية والاسلامية، فهي تجربة بكل المقاييس لا يمكن أن تُنسى، فقد ألهم صعود الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز؛ إلى الفضاء الخارجي ملايين العرب والمسلمين وكانت بمنزلة الشرارة التي أوقدت لتميزهم ومواصلة عطائهم الفريد؛ وغيّرت الملايين وساقتهم إلى دروب التقدم في العلوم والتكنولوجيا وسائر سبل السير إلى الأمام في حياتنا المعاصرة.

وقصة صعود الأمير سلطان بن سلمان؛ إلى الفضاء الخارجي واستشكافه مع علماء متميزين لا يمكن أن تُنسى، كانت تلك الفترة التي تسبق شهر رمضان من عام 1985 م، ورافق الأمير سلطان بن سلمان؛ في أثناء تدريباته على الأرض ثم انطلاقته إلى الفضاء الرائد عبدالمحسن البسام؛ وفريق سعودي علمي يترأسه الدكتور عبدالله الدباغ؛ ويضم في عضويته الدكتور محمد الفعر؛ والأمير تركي بن سعود بن محمد آل سعود؛ والأمير محمد آل سعود؛ وخالد بن فهد السديري؛ وغيرهم من نخبة العلماء الجامعيين السعوديين الذين سجلوا بتلك المشاركة أسماءهم ومنجزاتهم العلمية في عمق التاريخ.

تردد وموافقة

وكان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- متردّداً في الموافقة خوفاً على الأمير سلطان بن سلمان؛ لذا لجأ إلى سؤال الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- كما يروي ذلك الأمير سلطان بن سلمان قائلاً: "وقف الملك فهد لحظة يفكر فيها ثم سأل الملك سلمان: هل أنت متأكد من رغبة الأمير سلطان بن سلمان، فرد عليه الملك سلمان، بنعم، فرد الملك فهد بالسؤال أي أنه معزّم وعنده قدرة لتحمُّل كل هذا التدريب، فأجابه الملك سلمان: أنا أعرفه ومتأكّد من كل ذلك، عندها قال الملك فهد: أنا موافق".

لحظات لا تُنسى

وفي يوم إقلاع المكوك "ديسكفري" في الرحلة جي 51 حاملاً أول رائد فضاء عربياً، قال الأمير سلطان بن سلمان؛ رائد الفضاء العربي الأول: كان يوم الانطلاق يوماً مميزاً، كان آخر يوم في رمضان، وكنت أريد أن أصلي الفجر، فجاء أحد المهندسين ومعه قطعة قماش، وقال: إذا كنت تريد أن تصلي فضع هذه القطعة أمامك، الحقيقة كان لذلك عندي أكبر تأثير، فنحن وجدنا أنه بالمعاملة الحسنة وعدم فرض ديننا أو حتى صور من صور ديننا أو حتى تحميل الناس ما لا يحتملون جعلهم، هم أصلاً، يقبلون على التعاون معنا ويقبلون على احترام هذا الدين واحترامنا كبشر نأتي من بيئة مختلفة ويمكن من ثقافة مختلفة، وكان الخوف بالنسبة لنا هو ألا تنطلق المركبة بعد التعب والتحضير".

ويقول أول رائد فضاء عربي عن لحظات انطلاق المكوك "ديسكفري" إلى الفضاء، كما كان يشعر بها داخل المكوك: "بدأنا نسمع أصوات المحركات فكل محرّك يشغلونه يذهب إلى أقصى سرعته ويخفض وهو يتحرك ونلاحظ أن المكوك بدأ يهتز قليلاً، وعن صعوبة العيش داخل المكوك في الفضاء الخارجي، يقول الأمير سلطان بن سلمان: كان الضغط كله أكثر على الصدر وعلى الرئة، كان التنفس فعلاً صعباً، كان الواحد يأخذ نفسه بقوة جداً ثم يكتم وتحس حقيقة كأن ما فيه نفساً، وكنا نشعر بالاهتزازات القوية جداً وتحرك المكوك بهذه السرعة والضغوط، كانت تجربة بكل المقاييس حقيقة لا يمكن أن تنساها".

هدية ومركبة منقلبة

وبعد صعود المكوك "ديسكفري" بسرعة خارقة إلى الفضاء الخارجي وبدايته في الطيران حول الأرض، أصبح الوقت مناسباً لرائد الفضاء العربي الأول الأمير سلطان بن سلمان؛ للتأمل والتفكر ولإقامة الصلاة وإلى جانبه حقيبته التي بداخلها ماء زمزم والقرآن الكريم الذي أهداه له الملك فهد -رحمه الله- ووالده الملك سلمان -حفظه الله-، ويقول الأمير سلطان بن سلمان: "أول شيء رأيته أنا كان صامولة انفكت من الاهتزازات كلها، مرت من أمامي تسبح، وبدأنا نحس بكل شيء خفيفاً، وفككنا الأحزمة وكلنا شوق أن نطلع فوق ونرى الكرة الأرضية، وكنا نتسابق على النوافذ والمركبة منقلبة والكرة الأرضية تحتنا، أنا أتذكر أنني شاهدت منظر اللون الأزرق الغامق، وأكثر شيء شدني ما هو اللون الأزرق، ولكن هو منظر الكرة الأرضية وانحناءة الكرة الأرضية وتكورها مع اللون الأسود اللا منتهٍ في الخلفية".

تجارب وصيام

وبعد التعرف على الحياة داخل المكوك، بدأ رواد الفضاء في تحويله إلى منزل ومختبر، وأخذ رائد الفضاء العربي الأول سلطان بن سلمان في إجراء تجاربه العلمية التي وضعها فريق من العلماء السعوديين بالتعاون الوثيق مع خبراء NASA، واختارت وكالة الفضاء الأمريكية NASA خمساً من تجارب العلماء السعوديين وأسندتها إلى الأمير سلطان، وهي: رصد الأرض، رصد الهلال، تجربة انفصال المراحل، تجربة الغاز المؤين، وأخيراً تجربة الوقفة الفرنسية بالتعاون مع الفريق الفرنسي في طاقم رواد الفضاء للمكوك "ديسكفري"، ورغم الفتوى التي سمحت للأمير سلطان بن سلمان بالإفطار في الفضاء إلا أن سموه أصرّ على الصيام خلال الرحلة.

مكالمة الملك فهد والملك سلمان

وتلقى رائد الفضاء العربي الأول، وهو في الفضاء الخارجي على متن المكوك ديسكفري المكالمة الهاتفية التالية من الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-: "الابن العزيز سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، أنتهز هذه الفرصة لأبعث لك ولزملائك من وطنك المملكة أطيب التمنيات على متن هذه الرحلة التي سوف تكون -إن شاء الله- لخدمة الإسلام والمسلمين والأمة العربية، إننا لفخورون بأدائك مهمتك الناجحة في الفضاء ونتمنى لك عودة سعيدة".

وفي مكالمة أخرى، اهتزت لها مئات الملايين من العرب والمسلمين، تلقى رائد الفضاء العربي الأول المكالمة التالية من والده الملك سلمان بن عبدالعزيز، حيث قال -حفظه الله-: "أهلاً يا سلطان والحمد لله على نجاح رحلتك، أرجو أن تبلغ تحياتي لزملائك ووالدتك وأختك وإخوانك يسلمون عليك وطيبين وبخير، وإن شاء الله نشوفك بالسلامة، وبالتوفيق، وأحسن خبر سمعته اليوم أنك ختمت القرآن في الفضاء، وهذا شيء أشكر الله عليه دايم التوفيق إن شاء الله ومع السلامة".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org