لشهر رمضان المبارك، مزية خاصة في نفوس المسلمين التي جُبلتْ على فعل الخيرات، وانساقت إلى الطاعات، وتنافست على الحسنات، ولعل قراءة القرآن الكريم من أعظم وأهم الأعمال المستحبة في هذه الأيام الفضيلة.
"سبق" وبشكلٍ يومي، طوال شهر رمضان المبارك، تستعرض "قبسات بلاغية"؛ لتسليط الضوء على بلاغة القرآن الكريم، مع دكتور البلاغة والنقد "زيد بن فرج الخريصي".
أولى "القبسات البلاغية" في سورة الفاتحة، قال عنها "الخريصي": إنها وُضِعت في أول السور؛ لأنها تنزل منها منزل ديباجة الخطبة أو الكتاب، مع ما تضمنته من أصول مقاصد القرآن، وذلك شأن الديباجة من براعة الاستهلال.
وأضاف: {الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ}، جاء بصفة الرحمة؛ لأنها مرتبة الربوبية لا تستجمع الصلاح إلا بالرحمة. وعقبها آية {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، حيث ذكر الملك؛ ترهيبًا إشارة إلى أنه ولي التصرف في الدنيا والآخرة.
وأتبع "المختص بالبلاغة والنقد": في آية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قدم ضمير الفصل "إياك"؛ لحصر العبادة والاستعانة بالله، وقدمت العبادة على الاستعانة؛ لأن الاستعانة ثمرتها. وأما {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، فقال المستقيم، ولم يقل صفة أخرى؛ لأنها الأنسب في وصف هذا الدين الحق، وتمهيدًا لبسط الإجابة وهذا ما يسمى بالتفسير بعد الإبهام.
وأردف "الخريصي" قائلاً: في آية {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، جاء تكرار "الصراط"؛ لأنه في الأولى ذكر المكان، وفي الثانية ذكر السالكين لهذا الصراط، مع ما في هذا التكرار من توكيد للمعنى.
وختم قائلاً: وجاء الحذف في الآية، في قوله تعالى: {… غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، وتقدير الكلام: غير صراط المغضوب عليهم، وغير صراط الضالين، ومجيء هذا الحذف؛ للإيجاز والاختصار؛ لكونه معلومًا واضحًا.