"الإبادة الجماعية".. ماذا تعني وفق القانون الدولي وهل يُحاكَم قادة "إسرائيل" بسببها؟
في ظل الحرب الدائرة بين "إسرائيل" وحماس، تردد كثيرًا مصطلح "الإبادة الجماعية" على لسان حقوقيين وأمميين، من بينهم المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، رانشيسكا ألبانيز، التي حذّرت قبل أيام من تحول الصراع في غزة إلى "إبادة جماعية"؛ فما هي هذه الجريمة وفقًا للقانون الدولي؟
الإبادة الجماعية "Genocide"
ظهر مصطلح (genocide) أو كما يُتداول باللغة العربية "الإبادة الجماعية"، عام 1944؛ أي خلال الحرب العالمية الثانية و"الهولوكوست"، وقد صاغه المحامي البولندي رافائيل ليمكين، لوصف الجرائم التي ارتكبها النظام النازي في ألمانيا آنذاك بيهود أوروبا.
وحسب تقرير على موقع "الحرة"، فهذا المصطلح مشتق من الكلمة اليونانية "geno" والتي تعني "سلالة أو عرق"، والكلمة اللاتينية "cide" والتي تعني "قتل"؛ ليصبح المصطلح "القتل على أساس عرقي".
وفي عام 1948، تم اعتماد مصطلح "الإبادة الجماعية" التي قد تُرتكب في أيام السلم أو أثناء الحرب، من قِبَل الأمم المتحدة في اتفاقية أُطلِق عليها "منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها".
تعريف دولي للإبادة
وبحسب هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أيًّا من الأفعال التالية، المرتكَبة بقصد التدمير الكلي، أو الجزئي لجماعة قومية، أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: قتل أعضاء من الجماعة، إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، إخضاع الجماعة -عمدًا- لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي كليًّا أو جزئيًّا، وفرض تدابير تستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، وكذلك نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.
وطُبقت الاتفاقية للمرة الأولى أوائل التسعينيات، بعد أكثر من أربعة عقود من اعتمادها؛ وذلك خلال العمليات القضائية التي أعقبت صراعات رواندا والبلقان.
شمول وإلزام
تسري أحكام اتفاقية "منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها" كما يقول رئيس مؤسسة "JUSTICIA" الحقوقية، والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ، المحامي الدكتور بول مرقص، "حتى على الدول التي لم تصدق عليها؛ وذلك بموجب حكم أصدرته محكمة العدل الدولية، واعتبرت فيه أن هذه الأخيرة دوّنت قانونًا دوليًّا عرفيًّا؛ وبالتالي هي ملزمة لجميع الدول".
ووفقًا للمادة السادسة من هذه الاتفاقية، يحاكَم الأشخاص المتهمون، كما يقول "مرقص"، "أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة أو أمام محكمة الجزائية الدولية تكون ذات اختصاص".
المحكمة الجنائية الدولية
ولأن محاكم الدولة لا تميل عامةً -بحسب "مرقص"- "إلى معاقبة مثل هذه الجرائم؛ فالدور يعود إلى المحكمة الجنائية الدولية؛ كونها تدخل ضمن اختصاصها وفق المادة الخامسة؛ شرط أن تكون قد ارتُكِبت على أرض أو على يد مواطن دولة صدّقت على نظام روما الأساسي. وفي حال عدم المصادقة يعود لمجلس الأمن إطلاق حق المحكمة الجنائية الدولية في ممارسة اختصاصها".
نظام روما الأساسي
ويُعرّف نظام روما الأساسي، الإبادة الجماعية بأنها "ارتكاب أفعال معينة على نطاق موسع، يتم تنفيذها بقصد القضاء على مجموعة، كليًّا أو جزئيًّا، بناء على هوية هذه المجموعة القومية أو الإثنية أو العنصرية أو الدينية".
وهذه الأعمال تشمل القتل أو التسبب في إلحاق أضرار جسدية أو عقلية جسيمة، أو التسبب في أوضاع معيشية من شأنها أن تؤدي إلى الهلاك الفعلي كليًّا أو جزئيًّا أو فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب أو إبعاد الأطفال قسرًا عن الجماعة التي ينتمون إليها.
إثبات الإبادة الجماعية
ولإثبات الإبادة الجماعية، على المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية أن يظهر كما ذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، أن بعض أو كل الأعمال المذكورة أعلاه قد تم ارتكابها، وأنها قد ارتُكبت بقصد أو غرض القضاء على جزء من التركيبة السكانية.
هل تحاكم "إسرائيل" على جرائم غزة؟
يُذكر أن "إسرائيل" ليست طرفًا في نظام روما الأساسي، في حين انضمت الأراضي الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية، في عام 2015؛ مما أعطى المحكمة -بحسب "هيومن رايتس ووتش"- ولاية قضائية على الجرائم المرتكبة هناك؛ بما في ذلك في غزة، أو من قِبَل مواطنين فلسطينيين في مناطق أخرى.
تحقيق مستمر بشأن غزة
بعد اندلاع الصراع بين "إسرائيل" وحماس، فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقًا مستمرًّا، كما ذكرت الأمم المتحدة، وقامت بتشغيل رابط لتقديم تقارير عن مزاعم ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والعدوان، التي تعتبر جميعُها انتهاكاتٍ للقانون الإنساني الدولي.
كما صدر عن منسق الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيث، تذكير بالتزامات الأطراف المتحاربة عندما قال أمام مجلس الأمن الدولي: إن هناك "قواعد بسيطة للحرب" وشدد على أنه "يجب على أطراف النزاع المسلح حماية المدنيين".
السجن 30 عامًا
وعن العقوبات واجبة التطبيق بحق مرتكبي الإبادة الجماعية؛ فإن المادة 77 من نظام روما الأساسي، تنص على أنه يكون للمحكمة أن توقع على الشخص المدان إحدى العقوبات التالية: السجن لعدد محدد من السنوات لفترة أقصاها 30 سنة، السجن المؤبد حيثما تكون هذه العقوبة مبررة بالخطورة البالغة للجريمة وبالظروف الخاصة للشخص المدان.
تتم ملاحقة كل شخص ارتكبها
وحسب "مرقص": "لا تخضع جريمة الإبادة الجماعية للتقادم، ومرتكبوها لا يستفيدون من الحصانة؛ إذ تتم ملاحقة كل شخص ارتكبها أو أمر بارتكابها دون النظر إلى منصبه سواء كانوا حكامًا أو موظفين عامين أو أفرادًا غير مسؤولين؛ وفق المادة الرابعة والمادة الثالثة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية".
والأربعاء، اتهم مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، من أمام معبر رفح، طرفي النزاع بارتكاب "جرائم حرب"؛ وفق ما نقله موقع "أخبار الأمم المتحدة" على لسانه.
وقال "تورك": إن الفظائع التي ارتكبتها حركة حماس في 7 أكتوبر كانت "شنيعة ووحشية وصادمة. وذكر أن تلك الهجمات واستمرار احتجاز الرهائن، جرائم حرب".
العقاب الجماعي على الفلسطينيين جريمة حرب
وأضاف أن "العقاب الجماعي الذي تفرضه إسرائيل على المدنيين الفلسطينيين؛ يرقى هو أيضًا إلى جريمة حرب؛ مثله مثل الإخلاء القسري غير القانوني للمدنيين".
وقال: "لقد سقطنا في الهاوية. ولا يمكن لهذا الوضع أن يستمر. حتى في سياق الاحتلال المستمر منذ 56 عامًا؛ فإن الوضع الحالي هو الأكثر خطورة منذ عقود، بالنسبة للناس في غزة وإسرائيل والضفة الغربية وأيضًا على المستوى الإقليمي".