استراتيجيات وطنية وخطوات على الطريق الطويل.. ماذا ستجني السعودية من "الذكاء الاصطناعي"؟

استراتيجيات وطنية وخطوات على الطريق الطويل.. ماذا ستجني السعودية من "الذكاء الاصطناعي"؟

«السعودية ستصبح أنموذجًا للذكاء الاصطناعي في العالم»، بهذه الكلمات وضع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، اللبنات الأولى، التي سترتكز عليها المملكة في طريقها نحو عالم الذكاء الاصطناعي، ذلك العالم الذي خطت المملكة العربية السعودية نحوه بخطى ثابتة، وسبرت أغواره برؤية حكيمة، ترتكز على العلم، وتتخذه نبراسًا لها نحو تحقيق رؤية 2030، التي يعد الذكاء الاصطناعي أحد أعمدتها.

ففي الإطار الاستراتيجي لرؤية 2030 بات الذكاء الاصطناعي موضوعًا رئيسيًّا، يجب تطويره ودمجه في مدينة نيوم الضخمة الجديدة، ضمن خطة إصلاح خطتها السعودية لقيادة اقتصاد قائم على المعرفة، يجعل من البلد الخليجي واحدًا من أفضل خمس دول في العالم فيما يخص تقنيات الذكاء الاصطناعي.

ماذا نعرف عن الذكاء الاصطناعي؟

وفقًا لمراجعة أعمال «هارفارد»، فإن مصطلح (AI) يشير إلى الذكاء الاصطناعي، وهو عبارة عن أنظمة تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام.

وبحسب «مراجعة أعمال هارفارد»، فإن تلك الأنظمة يمكنها أن تُحسِّن من نفسها استنادًا إلى المعلومات التي تجمعها؛ كون الذكاء الاصطناعي يتعلق بالقدرة على التفكير الفائق، وتحليل البيانات، أكثر من تعلُّقه بشكل مُعيَّن أو وظيفة مُعيَّنة.

وبالرغم من أن الذكاء الاصطناعي أثار الكثير من المخاوف؛ كونه يُقدِّم صورًا عن الروبوتات عالية الأداء الشبيهة بالإنسان، التي تسيطر على العالم، إلا أنه لا يهدف إلى أن يحل محل البشر، بل لتعزيز القدرات والمساهمات البشرية بشكل كبير.

أين تقف السعودية من الذكاء الاصطناعي؟

برؤية طموحة، عمادها اتخاذ عدد من السياسات الاقتصادية والاجتماعية لتحرير المملكة من الاعتماد على صادرات النفط، بدأت الرياض تفكر في المجالات غير التقليدية؛ للوصول إلى أهدافها، ولتحقيق طفرة علمية، تقود البلد الخليجي إلى مصاف الدول المتقدمة.

تلك الرؤية رأت في الذكاء الاصطناعي سبيلها إلى إحداث نهضة اقتصادية وعلمية في آن، قد تجعل المملكة بين «الكبار» في هذا المجال؛ فوضعت على عاتقها هدف الاستفادة من تلك التقنية لتحقيق مقاصدها بطريقة مسؤولة، تحد من الممارسات الخاطئة المصاحبة لهذه التقنية.

خطوات على الطريق الطويل

في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 كانت المملكة العربية السعودية على موعد مع حدث، وُصف بـ«المهم»؛ فعلى هامش مؤتمر «مبادرة استثمار المستقبل»، الذي عُقد في العاصمة الرياض، أُعلِن إعطاء الروبوت «صوفيا»، الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي، الجنسية السعودية.

و«صوفيا» هو روبوت من صناعة شركة «هانسون روبوتيكس»، التي تتخذ من مدينة هونغ كونغ مقرًّا لها، وتتميز بتفاصيلها التي تشبه البشر إلى حد كبير، وتعابير وجهها التي تعكس مشاعر مختلفة، ووجهها الذي صُمم ليشبه وجه الممثلة الأمريكية الجميلة الراحلة أودري هيبورن، بحسب موقع الشركة على الإنترنت.

وخلال حفل تقديمها قالت صوفيا: «أود أن أشكر المملكة العربية السعودية كثيرًا. أشعر بالشرف والفخر للحصول على هذا التمييز. من المميز أن أكون أول روبوت في العالم يحصل على جنسية».

ذلك الإعلان، الذي جاء بعد عام من تطوير الإطار الاستراتيجي لرؤية 2030؛ ليتم إدخال الذكاء الاصطناعي في بناء أفضل مدن المستقبل، كان إشارة على أن السعودية ماضية في طريقها، نحو أتمتة الذكاء الاصطناعي في كل مجالات الحياة، طامحة إلى أن تعزف منفردة على هذا الوتر، مستندة إلى رؤيتها الطموحة، وعزيمتها التي لا تلين.. وهو ما أشار إليه رئيس مجلس إدارة مجموعة «سوفت بنك» الياباني، الذي يتعاون مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي في قطاع التكنولوجيا، وذلك في تغريدة بثها على هامش عقد المؤتمر في 2017، قائلاً إنه يعتبر الذكاء الاصطناعي "الأداة الأعظم في تاريخ البشرية»، ومؤكدًا أن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، كان مَن اقترح أهمية إضافة عناصر الذكاء الاصطناعي إلى مشروع نيوم.

ولم تمضِ أعوام حتى دخلت المملكة مرحلة جديدة على طريق الذكاء الاصطناعي؛ ففي عام 2020 خططت المملكة العربية السعودية لتصبح رائدة عالميًّا في فعاليات الذكاء الاصطناعي من خلال تنظيم قمة عالمية للذكاء الاصطناعي، تجمع بين صناع القرار والخبراء والمتخصصين من القطاعَيْن العام والخاص من المملكة وحول العالم، بما في ذلك شركات التكنولوجيا، والمستثمرون، ورجال الأعمال.

هذه القمة عُقدت في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، ونظَّمتها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي تحت عنوان «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي من أجل خير الإنسانية»، تحت رعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

تلك القمة كشفت عن رؤية المملكة الطموحة «لقيادة اقتصاد قائم على المعرفة»، بحسب كلمة الدكتور عبدالله شرف الغامدي رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، التي ألقاها خلال القمة، مضيفًا: «آمل أن تكون الرياض مركزًا للذكاء الاصطناعي. القمة ستُعقد سنويًّا بهدف ترسيخ مكانة المملكة بوصفها رائدًا عالميًّا في مجال الذكاء الاصطناعي».

وهدفت القمة الافتتاحية إلى استكشاف دور الذكاء الاصطناعي في العصر العالمي الجديد، وكيف يمكن نشر إمكاناته التحويلية "لخلق مستقبل أفضل للجميع"؛ وبالتالي مكنت مشاركة 141 دولة من تبادُل الأفكار والتخطيط لطريقة جديدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي لصالح البشرية.

وقد تم تسجيل ما مجموعه 7375 مندوبًا للمشاركة في الحدث.

وبحسب «Middle east political and economic institute »، فإن القمة تناولت العديد من القضايا المهمة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في إطار أربعة محاور رئيسية: تشكيل نمط طبيعي جديد، والذكاء الاصطناعي والحكومات، وحوكمة الذكاء الاصطناعي، ومستقبل الذكاء الاصطناعي، في نحو 30 جلسة، حضرها ما يقرب من 60 متحدثًا، بما في ذلك الوزراء وقادة الكيانات العالمية والأكاديميون والمستثمرون ورجال الأعمال من 20 دولة.

ويقول الموقع، الذي يديره المدير العام السابق للإدارة العامة لمخابرات الدفاع رئيس قِسم المخابرات العسكرية الرومانية سابقًا، سيرجيو ميدار، إنه بالنسبة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فإن فترة جائحة كورونا كانت فرصة مواتية للمملكة لاختبار إمكانات الذكاء الاصطناعي، ولسد الفجوة الرقمية المتزايدة الموجودة بين الدول المتقدمة والنامية، التي برزت بشكل أكبر خلال الجائحة.

تلك الرؤية تلاها رئيس «سدايا»، نيابة عن ولي العهد، خلال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي، قائلاً إن «2020 كان عامًا استثنائيًّا لاختبار إمكانات الذكاء الاصطناعي؛ إذ نشهد تشكيل معيار عالمي جديد، يعيد تعريف أساليب حياتنا وعملنا وتعلمنا.. وهذا يتطلب منا جميعًا التفكير والعمل الجاد للاستفادة من الذكاء الاصطناعي، وإطلاق العنان لإمكاناته الكاملة للنهوض بمجتمعاتنا واقتصاداتنا».

وفي 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، على هامش المؤتمر، أطلقت المملكة، ممثلة بالهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي «نسدي»، التي تتطلع من خلالها إلى لعب دور محوري في رسم مستقبل البيانات والذكاء الاصطناعي على مستوى المملكة والعالم.

إطلاق الاستراتيجية جاء سعيًا من المملكة للإسهام في تمكين البرامج والقطاعات الحكومية والخاصة في مختلف المجالات؛ بما يحقق رؤية المملكة 2030.

وتركز الاستراتيجية على معالجة الأولويات الوطنية الملحة للسعودية، والتوجهات في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي حتى عام 2030، خاصة في قطاع التعليم، والصحة، والقطاع الحكومي، والنقل والمواصلات، والطاقة، وصولاً إلى ترسيخ موقع المملكة بوصفها مركز اختصاص وتميز، ومحطة لبناء مقومات تنافسية عالمية للانطلاق نحو الريادة العالمية في هذا المجال.

6 أبعاد

وعن الاستراتيجية قال رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، الدكتور عبدالله بن شرف الغامدي، في تصريحه على هامش مؤتمر 2021، إنها ترتكز على ستة أبعاد، تتمثل في: ترسيخ موقع المملكة بوصفها مركزًا عالميًّا لتمكين أفضل تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي، وتطوير القوى العاملة في المملكة ببناء مورد مستدام للكفاءات المحلية في المجال، إلى جانب بناء البيئة التشريعية الأكثر تشجيعًا للشركات والمواهب المتخصصة.

وبحسب الغامدي، فإنها تسهم في جذب التمويل الفعال والمستقر للفرص الاستثمارية المتميزة، فضلاً عن تمكين أفضل المؤسسات البحثية المتخصصة في البيانات والذكاء الاصطناعي لقيادة الابتكار، وتعظيم الأثر المنشود، إضافة إلى تحفيز تبنِّي تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي من خلال المنظومة الأكثر جاهزية وتطلعًا.

ما الذي ستجنيه السعودية من الذكاء الاصطناعي؟

وفقًا للاستراتيجية، التي وضعت أهدافًا طموحة لتحقيقها حتى عام 2030، فإن المملكة تطمح إلى أن تكون ضمن أعلى 15 دولة في الذكاء الاصطناعي، وأعلى 10 دول في البيانات المفتوحة، وأعلى 20 دولة في الإسهام بالمنشورات العلمية.. كما تهدف إلى تطوير الأفراد ببناء مورد مستدام للكفاءات لأكثر من 20 ألف متخصص وخبير في البيانات والذكاء الاصطناعي، وجذب استثمارات في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي بما يقارب 75 مليار ريال، وتحفيز ريادة الأعمال والإسهام في خلق أكثر من 300 شركة ناشئة في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي.

وتسعى «سدايا» إلى الارتقاء بالمملكة العربية السعودية إلى ريادة الاقتصادات القائمة على البيانات والذكاء الاصطناعي، وذلك عبر ثلاث أذرع لها، هي: مكتب إدارة البيانات الوطنية، ومركز المعلومات الوطني، والمركز الوطني للذكاء الاصطناعي.

خطوات أخرى على الطريق

وفي أولى الخطوات على طريق رؤية 2030 في الذكاء الاصطناعي قال السفير الصيني لدى السعودية، تشين وي تشينغ، لوكالة أنباء «شينخوا»: إن القمة أظهرت أن العالم يولي أهمية كبيرة لمجال الذكاء الاصطناعي.. معربًا عن اعتقاده بوجود الكثير من الفرص والإمكانيات المستقبلية للتعاون الصيني-السعودي في هذا المجال.

وبعد القمة، وتحديدًا في 26 أكتوبر/ تشرين الأول، أعلن المركز الوطني للذكاء الاصطناعي (NCAI) في المملكة العربية السعودية شراكة استراتيجية مع شركة هواوي لتطوير القدرات الوطنية للذكاء الاصطناعي.

والمركز الوطني أحد فروع سدايا، وهو مسؤول عن تعزيز تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، وبناء القدرات.

ووفقًا لمذكرة التفاهم، ستدعم Huawei NCAI تدريب مهندسي الذكاء الاصطناعي والطلاب السعوديين، واستكشاف إنشاء منصة قدرات الذكاء الاصطناعي؛ لتوطين الحلول التقنية، إضافة إلى تطوير استراتيجية شاملة لتطوير مهارات وقدرات الذكاء الاصطناعي؛ بما يتماشى مع رؤية البلاد 2030.

ومن خلال مذكرة التفاهم نفسها، من المفترض أن يتم تطبيق التعرُّف على اللغة العربية والشخصية باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، بمساعدة باحثين من المملكة وشركة هواوي.

وفي سبتمبر/ أيلول 2022 عقدت السعودية القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في نسختها الثانية، التي أطلقت خلالها مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي التي أعدتها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا» لمرئيات العموم، وتُسهم في تسهيل التطبيق العملي للأخلاقيات أثناء مراحل دورة حياة تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي.

وتساعد تلك المبادئ على دعم مبادرات تنمية البحث والتطوير والابتكار في المملكة؛ وهو ما ينعكس على مستوى جودة الخدمات التي تُقدِّمها المملكة للأفراد؛ بما يضمن الاستخدام المسؤول لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.

وبحسب رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا»، عبدالله بن شرف الغامدي، فإن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي ستساعد على تأسيس ممارسات وطنية في جميع القطاعات؛ لدعم تبنِّي الذكاء الاصطناعي؛ للحد من الممارسات الخاطئة المصاحبة لهذه التقنية، من خلال تطبيق المبادئ الآتية: النزاهة والإنصاف، والأمن والخصوصية، والإنسانية، والمنافع الاجتماعية والبيئية، والموثوقية والسلامة، والشفافية والقابلية للتفسير، إضافة إلى المساءلة والمسؤولية.

وعلى هامش القمة وقَّعت الشركة السعودية للذكاء الاصطناعي (SCAI)، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، اتفاقية مع شركة «سنس تايم» الصينية المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي بالعالم.

وبحسب «واس»، فإن الاتفاقية تهدف إلى إنشاء شركة جديدة في المملكة، بقيمة استثمارية تُقدَّر بـ776 مليون ريال؛ لتمويل مختبر ذكاء اصطناعي متطور، وابتكار وظائف جديدة بالمملكة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org