"المتشابهُ اللفظي" ظاهرةٌ لغوية لطيفة وأحد وجوه الإعجاز في القرآن.. قبسات ووقفات

في حلقة "سبق" الرمضانية "13" مع دكتور البلاغة والأدب "زيد الخريصي"
"المتشابهُ اللفظي" ظاهرةٌ لغوية لطيفة وأحد وجوه الإعجاز في القرآن.. قبسات ووقفات

أنزل الله كتابه الكريم متحدّيًا أساطيرَ العرب، أسلوبًا وبلاغةً وبيانًا، فأفرد لهم العبر والمواعظ في قصص الأقوام الغابرين، لعلّهم يعقلون، وتكرّرت هذه القصص موجزة ومفصلة في عدة مواطن من سور القرآن الكريم، بصيغ مختلفة تارة، ومتشابهة تارة أخرى.

قبسات بلاغية

"سبق"، وفي الحلقة الرمضانية "الثالثة عشرة" من "قبسات بلاغية"، خصّصت الحديث عن بعض من بلاغة المتشابه اللفظي في القرآن الكريم "الجزء الأول"، وتستضيف فيها وبشكلٍ يوميٍّ طوال شهر رمضان المبارك، دكتور البلاغة والأدب "زيد بن فرج الخريصي".

إعجاز قرآني

وقال المُختصّ في مطلع حديثه: المتشابه اللفظي أحد وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، تناوله المتقدّمون بالاهتمام والعناية، ويعدّ الخطيب الإسكافي أول من تخصص في توجيه المتشابه اللفظي في كتابه "درة التنزيل وغرة التأويل"، وهو الحجر الأساس لتقعيد علم توجيه المتشابه اللفظي، وفي المقابل ظهرت الكثير من الأطروحات، والدراسات، والمؤلفات الحديثة، ومن بينها ما تناوله شيخ البلاغيين محمد محمد أبو موسى في مؤلفاته؛ والتي منها: "آل حم، غافر - فصلت، دراسة في أسرار البيان"، و"آل حم، الشورى – الزخرف الدخان، دراسة في أسرار البيان"، و"آل حم، الجاثية، الأحقاف، دراسة في أسرار البيان"، و"الزمر – محمد وعلاقتهما بآل حم، دراسة في أسرار البيان"، و"من أسرار التعبير القرآني، دراسة تحليلية لسورة الأحزاب"، والأستاذ الدكتور فاضل السامرائي في مؤلفاته: "التعبير القرآني"، و"بلاغة الكلمة في التعبير القرآني"، و"أسئلة بيانية في القرآن الكريم"، و"لمسات بيانية في نصوص من التنزيل"، وأستاذنا الدكتور محمد الصامل في مؤلفه "من بلاغة المتشابه اللفظي في القرآن الكريم".

ظاهرة لغوية لطيفة

وأضاف: المتشابه اللفظي ظاهرة لغوية لطيفة؛ يظنّ القارئ، لأول الأمر، أنه ليس بين هذه المتشابهات اختلاف في المعنى، ولكن عند إنعام النظر في السياق يظهر خلاف ذلك، ويتكرر الخطأ عند حافظ القرآن في مثل هذه الآيات؛ لكونها متشابهة والفرق بينها يسير، وهذا معروف ومشاهد، ومن أهم التعريفات التي عرّفت المتشابه اللفظي؛ تعريف الزركشي، يقول: "هو إيراد القصة الواحدة في صور شتى وفواصل مختلفة، ويكثر في إيراد القصص والأنباء، وحكمته التصرف في الكلام، وإتيانه على ضروب؛ ليعلمهم عجزهم عن جميع طرق ذلك"، ويأتي التشابه اللفظي في الحروف، أو المفردة، أو الجملة؛ بحسب ما يقتضيه المقام.

شواهد من "الكهف"

وأتبع "دكتور البلاغة والأدب": من الشواهد ما جاء في سورة الكهف في قوله تعالى: "فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا" "الكهف:71"، وقوله تعالى: "فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا" "الكهف:74"؛ ففي الآية الأولى قال: "إِمْرًا"، وفي الآية الثاني قال: "نُّكْرًا"، والسر في ذلك يقول الدكتور فاضل السامرائي: "الإمر هو الأمر المنكر أو الكبير، والنكر فيها معنى الإنكار، أيضًا، لكنهم يرون أن النكر أعظم وأبلغ من الإمر؛ لأن قتل النفس البريئة بغير نفس هو أكبر من خلع لوح من السفينة؛ لأن اللوح يمكن أن يعاد فيؤتى بلوح سواء هو نفسه أو غيره، لكن القتل لا يعاد، وقتل النفس البريئة بغير نفس أمر عظيم".

شواهد من "النساء"

وأردف "الخريصي": من الشواهد ما جاء في سورة النساء في قوله تعالى: "أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا" "النساء: 136"، جاء الفعلان "نَزَّلَ"، "أَنزَلَ" بصيغتين مختلفتين؛ حيث جاء الفعل الأول بالتضعيف على وزن "فَعَّلَ"، وجاء الفعل الثاني دون تضعيف على وزن "أَفَعَلَ"، والسرّ في ذلك، يقول الزمخشري: "فإن قلت: لم قيل: نَزَّلَ الكتاب، وأَنزَلَ التوراة والإنجيل؟ قلت: لأن القرآن نزل منجمًا، ونزل الكتابان جملة"، وهذا كلام موجز يفسّره ابن المنير، يقول: "لأن فَعَّلَ صيغة مبالغة وتكثير، فلما كان نزول القرآن منجمًا، كان أكثر تنزيلًا من غيره؛ لتفرقه في مرار عديدة، فعبّر عنه بصيغة مطابقة لكثرة تنزيلاته، وعبّر عن الكتابين بصيغة خالية عن المبالغة والتكثر".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org