التزامًا بالتعهدات ودعمًا للسلام.. كيف تجنبت المملكة الانحياز في أزمة أوكرانيا؟

صداقة لا وصاية.. وخيوطٌ استراتيجية قوية تُحرك سياستها وتحدد مصالحها
التزامًا بالتعهدات ودعمًا للسلام.. كيف تجنبت المملكة الانحياز في أزمة أوكرانيا؟

مع كل أزمة عالمية، تظهر قوى مختلفة الاتجاهات والنوايا، معلنة عن رغبتها مباشرة وضمنيًّا في استقطاب المملكة في صفها، كدولة ذات تأثير قوي في إقليمها والعالم، وكانت آخر تلك الأزمات الحرب الروسية الأوكرانية، التي تسير في شهرها الرابع دون حل.

فمنذ اندلاع الأزمة وخطاب المملكة ثابتٌ لا يشوبه انحياز، وبياناتها معتدلة تراعي الانضباط الدبلوماسي المطلوب في الأزمات الكبرى، متحاشية أي تلويح بدعم أي طرف؛ فقد أكدت الالتزام بالتعهدات وعدم الإخلال بها لتنفيذ أجندات الغير، والدعوة للسلام وتحقيق الاستقرار.

رأت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في واشنطن، منذ بداية الأزمة الأوكرانية، أن فكرة التحالف تعني التأييد التام دون المراجعة؛ لكن الأمور لا تسير هكذا مع الرياض؛ فما قد يراه البيت الأبيض ومن ورائه شركاء الحرب دفاعًا عن مبادئ الحرية؛ قد تراه دول كثر دعوة للخراب، وتحكيم لغة السلاح بدلًا من الحوار.

التزام بالتعهدات

وظهرت النوايا الأمريكية في 8 مارس الماضي، عندما أعلن بايدن الحظر الأمريكي على واردات النفط والغاز والطاقة الروسية؛ مبررًا القرار بأن البيت الأبيض اتخذه بعد مشاورات مع الحلفاء.

القرار الأمريكي كان يستهدف جس نبض الدول الصديقة وخاصة في الشرق الأوسط؛ إذ كان يأمل بايدن أن تحذو الدول النفطية -وعلى رأسها المملكة- حذو واشنطن؛ لكن الرياض لها رؤيتها الخاصة التي تنفذها دون ضغوط؛ إذ إنها تلتزم باتفاق أوبك+.

وأكدت المملكة في مناسبات عدة أن موقفها مبني على أحد أهم مبادئ الدولة السعودية، وهو الالتزام بالتعهدات؛ حيث تترأس الرياض -إلى جانب موسكو- تحالف "أوبك بلاس" الذي يضم 13 عضوًا في منظمة البلدان المُصَدرة للنفط (أوبك)، وعشرة من خارج المنظمة.

والتزمت المملكة بالاتفاق الذي أًبرم مطلع فبراير الماضي، على ضخ زيادة طفيفة في الإنتاج بواقع 400 ألف برميل يوميًّا بداية مارس، وهي نفس الكمية كما كانت في الأشهر السابقة.

إدانة الحرب

في الجهة المقابلة، لا تعني الشراكة السعودية الروسية في قيادة أوبك بلاس، الموافقة على الحرب في أوكرانيا؛ بل إن الرياض ترى في الحوار أفضل السبل لحل الأزمة، وظهر ذلك في اتصال هاتفي تَلَقّاه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أبريل الماضي، وأكد خلاله مساندة المملكة للجهود التي تؤدي إلى حل سياسي للأزمة في أوكرانيا ويحقق الأمن والاستقرار.

ليس هذا فحسب؛ فقد أعلنت الرياض موقفها مبكرًا، عندما أيدت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في ختام جلستها الطارئة مارس الماضي، بإدانة الحرب في أوكرانيا، والمطالبة بالكف فورًا عن استخدام القوة.

خيوط استراتيجية

ويقول سايمون هندرسون، في مقال نشره موقع مركز واشنطن للأبحاث: إن قرار أوبك بلاس الأخير حول الإنتاج؛ يُعد بمثابة موقف واضح بأن الرياض وشركاء آخرين للولايات المتحدة على خلاف مع واشنطن؛ في إشارة لرفض المملكة فرض الوصاية على قراراته.

ونشر موقع بلومبيرج، تقريرًا يقول إن قرار أوبك بلاس من شأنه تشكيل نظام جديد للنفط في العالم؛ إذ ذكر "بوب ماكنالي" رئيس شركة ربيدان إنيرجي جروب: "تجري الآن أكبر محاولة لإعادة رسم خريطة الطاقة والأوضاع الجيوسياسية، وربما العالم، منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، إن لم يكن منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية"؛ في إشارة إلى قيادة المملكة لقطاع النفط العالمي.

وتشير المعطيات السابقة إلى أن المملكة ليست في حاجة إلى الانحياز لطرف حتى تراعي مصالحها؛ فهي تملك خيوطًا استراتيجية قوية يمكن من خلالها تحريك سياساتها وإتمام مصالحها دون فرض وصاية من أحد.

حياد للوساطة

ما تُصرح به المملكة تسعى دائمًا لإثباته؛ إذ ترجمت ما أعلنته عن استعدادها لمساندة الجهود التي تؤدي إلى حل سياسي للأزمة في أوكرانيا ويحقق الأمن والاستقرار، عبر دعوتها للوساطة في الأزمة بين موسكو وكييف.

واستعرض مجلس الوزراء السعودي، مضمون التواصل لولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع رئيس روسيا فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، وما جرى خلالهما؛ إذ أكدت المملكة دعمها لكل ما يسهم في خفض حدة التصعيد، واستعدادها للوساطة بين جميع الأطراف، ودعمها للجهود الدولية الرامية لحل الأزمة سياسيًّا.

تحديات المملكة

في مجلة "أتلنتيك"، قال الكاتب دينيس روس، السياسي والمستشار في معهد واشنطن: إن العالم في حاجة للنفط السعودي الآن وفي المستقبل، كما أن المملكة من بين دول الشرق الأوسط التي تحاول بناء مجتمعات حديثة وقادرة على الصمود، وفي نفس الوقت تواجه إيران التي تسعى إلى تأجيج صراعات المنطقة واستغلالها بهدف الهيمنة على المنطقة.

وكل تلك التحديات تُعد عوامل تدفع الرياض، إلى الحرص على استقلالية القرار وعدم الانحياز لطرف على حساب الآخر؛ إنما العمل دعم السلام التي تنشده السعودية على حدودها، أمام الهجمات الإرهابية التي تدعمها طهران.

ويتبين من المعطيات المطروحة ومواقف الرياض منذ اندلاع الأزمة، أن المملكة ترحب بالصداقة؛ لكنها ترفض الوصاية، وتلتزم بأصول الشراكة؛ لكنها ترفض الحرب وتساند تحقيق السلام والاستقرار.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org