بقيادة "العيسى".. ملتقى القيم المشتركة بالرياض يدعو لترسيخ التعايش بين الثقافات

بحضور قيادات الأديان حول العالم.. والرموز الفكرية المؤثرة المعروفة بالاعتدال

نجحت رابطة العالم الإسلامي في تنظيم ملتقى القيم المشتركة بين الثقافات والحضارات في مدينة الرياض، التي تستضيف مثل هذا الحدث الهام لأول مرة لترسيخ التعايش بين مختلف الأمم والشعوب.

وعملت الرابطة -بقيادة أمينها العام الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى- على تحقيق أهدافه المرجوة، ومن أبرزها بلورة رؤية حضارية لترسيخ قيم الوسطية في المجتمعات البشرية، وتعزيز الصداقة والتعاون بين الأمم والشعوب، والعمل على نشر الوعي بمفاهيم السلام والوئام بين القادة، والفعاليات الفكرية المؤثرة في المجتمعات البشرية بشكل عام والشباب بشكل خاص.

وشارك في الملتقى قادة الأديان حول العالم، حيث يشكل المسلمون الغالبية والأكثر حضورًا من كبار العلماء من عموم العالم الإسلامي، والقيادات الفكرية المؤثرة المعروفين باعتدالهم ومواقفهم العادلة مع العالم الإسلامي وقضايا المسلمين حول العالم.

وسعت رابطة العالم الإسلامي إلى إيصال رسائل مهمة إلى العالم، من أهمها أن المنتمين إلى مختلف الحضارات والثقافات لديهم القدرة على صناعة الفرق بما يخدم البشرية؛ بشرط أن يتخلصوا من التأثيرات الدخيلة.. ويقع على القيادة الدينية المسؤولية الأكبر بسبب القدرة على التأثير على حياة الناس.

ويركز الملتقى على الواجب الإسلامي؛ حيث يجب ألا يكون في منأى عن العالم باعتبار عالمية رسالته، وأن يكون متفاعلًا تفاعلًا إيجابيًّا مؤثرًا في كل شؤونه، ورابطة العالم الإسلامي هي الرائدة في تمثيل هذه الرسالة الحضارية الإسلامية، وتحمل مسؤوليتها.

وانطلاقًا من مكانة المملكة العربية السعودية الإسلامية والعالمية؛ حيث تُعد مركز الريادة والمرجعية الروحية والعلمية الإسلامية، ولا بديل لقوة تأثيرها الإيجابي ودورها في الحوار بين مختلف الثقافات والحضارات؛ جاءت أهمية تنظيم هذا الملتقى في المملكة.

وتدرك السعودية أهمية تأثير القيادات الدينية في تعزيز قيم السلام والتفاهم بين الأمم، وضرورة الحذر مستقبلًا من الصدام الحضاري، والتأكيد على أن الاختلاف سنة من سنن الله في الكون، واحترام وجود الآخر مع الاعتزاز بديننا الإسلامي، لصالح الجميع، انطلاقًا من المنهج النبوي الكريم؛ حيث إن النبي محمد صلى الله وسلم الْتقى في جميع الأديان، وعقد وثيقة المدينة المنورة، وكان معتزًّا بدينه؛ داعيًا إلى الخير وإلى كلمة سواء؛ فيما كانت السعودية أول دولة تطرح عددًا من المبادرات للتقريب بين مختلف الثقافات، وقد قوبلت تلك المبادرات بتقدير واسع من العالم أجمع.

وحرص "العيسى" على دعوة مختلف الثقافات للحضور إلى المملكة والمشاركة في ملتقى الرياض بما لديهم من القيم الإنسانية المشتركة؛ للاطلاع على موقف الإسلام واحترامه للآخر، ورحمته وإن اختلف معه، وهذا موقف الإسلام النبيل؛ فهي ترى أن لدينا دينًا عظيمًا هو الدين الحق، ولكن في ذات الوقت تقف موقف الاحترام من الجميع، وتدعم عيش الإنسان بكرامة أيًّا كان حول العالم وهي صورة الإسلام للعالمين.

ودعت الرابطة ضيوف الملتقى إلى مقرها الرئيسي في السعودية في مكة المكرمة، ولكون ضيوف الملتقى من غير مسلمين فقد تمت دعوتهم إلى دولة المقر ولكن في مدينة الرياض؛ للتأكيد على أن مثل هذه اللقاءات تعبّر للجميع أن المسلمين واثقون مما لديهم من قوة فكرية وقوة علمية ولا يخشون الآخرين الذي يتشاركون معه العيش هذا العالم.

ويُعد هذا الملتقى من أقوى الرسائل ضد شعارات الإسلاموفوبيا؛ حيث إن الدين الإسلامي عظيم باعتداله وأفكاره، ولذا كان الهدف من هذا الملتقى التعريف بالقيم الإسلامية النبيلة للآخرين، وفي ذات الوقت التأكيد على الخصوصية الدينية، فلكل دينه، ولا تَقارب بين الأديان، ومن الإحسان إلى الآخرين واحترامهم، الحوار معهم.

وتعي رابطة العالم الإسلامي جيدًا أن المستفيد الأول والأخير من هذه الملتقيات هو الإسلام وصورة الإسلام، كما سيكون له أثر ورسالة دولية كبيرة مباشرة أو غير مباشرة، إضافة إلى أن الملتقى كان فرصة للتغيير الجذري لصورة الإسلام؛ حيث أشاد الضيوف بما شاهدوا من المسلمين الذين التقوهم في الجلسات، وتعرفوا على صورة الإسلام الحق المعتدل؛ حيث أكدوا أنه كان لديهم الكثير من التصورات الخاطئة عن الإسلام.

واكتسب الملتقى أهميته من كون 80% من الحضور هم من العلماء والمفكرين المسلمين المؤثرين؛ حيث التقوا مع مختلف القيادات الدينية، ودار بينهم نقاش حول صورة الإسلام المعتدلة.

واطلع المشاركون في الملتقى على التنوع الديني الواسع في المملكة منذ وقت مبكر من تاريخها، وما حضور ضيوف هذا الملتقى اليوم من مختلف أتباع الأديان؛ إلا تأكيد على المشتركات الإنسانية، وأهمية الاحترام والخصوصية الدينية وحق وجودها في الحياة بكرامة.

وفي ختام الملتقى صدر إعلان "القيم الإنسانية المشتركة"؛ حيث أكد المشاركون، مركزية الدين في كل حضارة؛ نظرًا لتأثيره في "صياغة أفكار المجتمعات البشرية"، و"إلهامه الروحي للمؤمنين به"، مشددين على ضرورة عدم الخلط بين الدين والممارسات الخاطئة لبعض أتباعه، وعدم توظيف الدين لأي هدف يخرج عن معناه الروحي الإصلاحي.

كما أكد الملتقى حاجة العالم المتزايدة إلى تفعيل الآليات الدولية لحل النزاعات من خلال إرادة جادة وعزيمة قوية وتدابير حكيمة، معتبرين لقاءهم الأخوي فرصة سانحة للتعبير عن رؤاهم المشتركة، والإسهام بفاعلية في تصحيح المسار الإنساني المعاصر؛ حيث اتفقوا على وجوب تفهم الخصوصيات الدينية لكل دين أو مذهب، والتعامل معها بصفتها تمثل التنوع البشري المشمول بحكمة الخالق في الاختلاف.

واستنكروا أطروحات الصدام الحضاري، ومحاولات فرض الهيمنة الدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية "بلا استحقاق ولا أخلاقيات"، كما نددوا بـالكراهية والعنصرية بوصفهما أكبر محرض على العنف والإرهاب والانقسام.

وأوصى الملتقى ببناء تحالف دولي عبر إرادة صادقة وعادلة وفاعلة، لخدمة الإنسانية بكامل حقوقها، مع أهمية استذكار القيم المشتركة التي تربط الجميع ببعضهم كمنطلق رئيسي لهذا البناء الإنساني المهم، وتأكيد أهمية مراعاة الخصوصيات الدينية والثقافية، وعدم ممارسة أي استعلاء أو إملاءات عليها.

ودعا المشاركون إلى قيام المؤسسات الوطنية والأممية المسؤولة بالعمل الجاد على كل ما من شأنه ضمان الحريات؛ في إطار احترام القوانين الدولية والوطنية ذات الصلة، والمحافظة على التماسك الأسري الذي يمثل نواة المجتمع، والعناية بجودة التعليم؛ حيث طالبوا مختلف منصات التأثير -وخاصة الإعلامية- باستشعار الأمانة الأخلاقية الملقاة على عاتقها بوصفها العنصر الأكبر تأثيرًا في توجيه الرأي العام، ومناشدة الدول الوطنية والمجتمع الدولي لبذل جميع السبل لتوفير الحماية الكافية لدور العبادة، وكفالة حرية الوصول إليها، والمحافظة على دورها الروحي، والنأي بها عن الصراعات الفكرية والسياسية والمساجلات الطائفية.

كما دعوا المؤسسات الدينية حول العالم إلى تشجيع الخطاب المعتدل، ونبذ الخطاب المتطرف الذي يثير الكراهية، مع إدانة جميع الممارسات المتطرفة والعنيفة والإرهابية في حق أتباع الأديان، والدعوة لتجريم النيل من رموزها ومقدساتها، ودعم المبادرات الجادة المناهضة لها.

وأعلن الملتقى عن إطلاق منتدى عالمي تحت بعنوان "منتدى الدبلوماسية الدينية لبناء الجسور"، من منطلق مركزية تأثير الأديان في المجتمعات الإنسانية، وإصدار موسوعة عالمية باسم "موسوعة القيم الإنسانية المشتركة"؛ حيث صدرت الدعوة للجمعية العامة للأمم المتحدة إلى إقرار يوم عالمي للمشتركات الإنسانية، كونها نقطة التقاء القيم الجامعة المحققة لثمرة الإخاء الإنساني.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org