حكمة واستقلالية.. السعودية تقود قطاع الطاقة العالمي بتوازن ورفض للضغوط

زاد تمسكها باتفاقياتها "أوبك بلس" حول الحصص المحددة لضخ النفط ورفضت مقترحات واشنطن
ولي العهد الأمير محمد بن سلمان

ولي العهد الأمير محمد بن سلمان

فرضت المعطيات الجيوسياسية، واقعًا تقود فيه المملكة قطاع الطاقة في العالم منذ ظهور النفط، عبر مخزون وفير يمثل 20% من الاحتياطي العالمي، تديره عقول سعودية تعمل على جلب الخير لشعبها والعالم.

ووسط المعطيات والتقلبات المختلفة، أثبتت التجربة أنه رغم كل الظروف السياسية ومآلاتها الاقتصادية؛ لم ترضخ المملكة للضغوط وقت الأزمات التي يسببها الغير، وفرضت الرياض كلمتها عالية بأن سياسات توازن سوق الطاقة ليس معناه تصحيح أخطاء الآخرين أو الخضوع لرغبات عواصم أخرى.

ضغوط الحرب

وفي خضم الحرب الروسية الأوكرانية، برز -كالعادة- دور المملكة كقاطرة لقطاع الطاقة في العالم؛ إذ تتحرك أسعار النفط صعودًا وهبوطًا مع المفاوضات الجارية بين كييف وموسكو؛ مما دعا دولًا مثل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية لمطالبة المملكة بزيادة إنتاجها في النفط.. صحيح أن الرياض تحتفظ بعلاقات صداقة استراتيجية وتاريخية مع واشنطن وعواصم أوروبية أخرى؛ لكن تبقى المصلحة السعودية أولًا، وكون المملكة سيدة قرارها؛ فقد زاد تمسكها باتفاقياتها المبرمة برعاية منظمة "أوبك بلس" حول الحصص المحددة لضخ النفط في السوق العالمية.

الموقف السعودي ظهر في وقت مبكر من اندلاع الحرب الأوكرانية؛ إذ تلقى الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، اتصالًا هاتفيًّا، من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في السابع والعشرين من فبراير الماضي، أي بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بثلاثة أيام، وهذه المهاتفة شهدت توجيه رسالة سعودية واضحة؛ إذ أكد ولي العهد حرص المملكة على استقرار وتوازن أسواق البترول والتزامها باتفاق "أوبك بلس".

وتَجدد التأكيد على هذا الالتزام في مطلع مارس؛ إذ قال بيان صادر عن مجلس الوزراء: إن المملكة حريصة على استقرار أسواق النفط والالتزام باتفاق "أوبك بلس"؛ وهو ما يعني الإبقاء على نفس الحصة السعودية من الضخ، بما يراعي مصالح الرياض.

وفي الثالث من مارس تَلقى الأمير محمد بن سلمان، اتصالًا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكد الرسالة ذاتها، وهي أهمية المحافظة على اتفاقية "أوبك بلس".

ما هو "أوبك بلاس"؟

تقود السعودية -إلى جانب روسيا- تحالف "أوبك بلاس" الذي يضم 13 عضوًا في منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك)، وعشرة من خارج المنظمة.

واتفق أعضاء تحالف "أوبك بلس"، مطلع فبراير الماضي، على ضخ زيادة طفيفة في الإنتاج بواقع 400 ألف برميل يوميًّا بداية مارس، وهي نفس الكمية كما كانت في الأشهر السابقة.

وتتجلى قيادة المملكة لقطاع الطاقة بشهادة وكالة "رويترز"، التي نقلت عن ثلاثة مصادر من" أوبك بلس"، أنها تتوقع التزام التكتل النفطي بالسياسة الحالية لرفع الإنتاج تدريجيًّا.

وتكتل "أوبك بلس" ملتزم بزيادات إنتاج النفط المتواضعة مع تأكيد السعودية والإمارات وهما من كبار أعضاء منظمة أوبك، بالاتفاق المبرم مع روسيا؛ رغم ارتفاع أسعار النفط لأعلى مستوى في 8 سنوات.

اختبار أمريكي

في خطوة جزئية نحو حظر كامل، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 8 مارس، حظرًا أمريكيًّا يستهدف واردات النفط والغاز والطاقة الروسية، قائلًا إن القرار جاء بعد تنسيق مع حلفاء واشنطن.

تحدث الرئيس الأمريكي وقتها قائلًا: النفط الروسي لن يكون مقبولًا بعد الآن في موانئ الولايات المتحدة، وسيوجه الشعب الأمريكي ضربة أخرى قوية للرئيس فلاديمير بوتين.

خطوة أمريكية ربما أرادت واشنطن منها اختبار صلابة "أوبك بلس" وقدرتها تحت قيادة المملكة لقطاع الطاقة عالميًّا، لتُفاجأ بموقف سعودي ملتزم بالاتفاق الذي يعود إلى العام 2016.

من هنا أدركت وكالة الطاقة الدولية أن المملكة لن تتزحزح عن موقفها ما دامت قد رأت فيه الصواب؛ لذا دعت الحكومات بتطبيق إجراءات فورية لخفض الاستهلاك العالمي للنفط خلال أشهر، وسط المخاوف المتعلقة بالإمدادات؛ بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.

قدمت وكالة الطاقة عددًا من المقترحات لخفض الحدود القصوى للسرعة وزيادة العمل عن بُعد وغيرها؛ إذ تستهدف خفض الاستهلاك بمقدار 2.7 مليون برميل يوميًّا في الأشهر الأربعة القادمة، لتخفيف ضغوط الإمداد التي تلوح في الأفق، عن طريق تعويض خسارة الإنتاج الروسي البالغة 3 ملايين برميل يوميًّا التي تتوقعها الوكالة في أبريل.

خريطة اكتشافات الغاز

كل المؤشرات تُفضي إلى أن الرياض تملك القرار الأول والمحرك لأسواق النفط وفق الاحتياطي من ناحية وحسن الإدارة من ناحية أخرى، ورغم ذلك لا تتوقف جهود السعودية عن التنقيب للعثور على المزيد من ثروات الطاقة تحقيقًا لتعزيز الريادة؛ حيث أعلن وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، أن شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية) تمكنت من اكتشاف عدد من حقول الغاز الطبيعي.

وبالفعل تم اكتشاف حقل "شدون" للغاز الطبيعي في المنطقة الوسطى، على بعد 180 كيلومترًا جنوب شرق مدينة الرياض. كما تم كذلك اكتشاف حقل "شهاب" للغاز الطبيعي، في منطقة الربع الخالي، على بُعد 70 كيلومترًا جنوب غرب حقل الشيبة.

ويضاف إلى خريطة الاكتشافات حقل "الشرفة" للغاز الطبيعي في منطقة الربع الخالي أيضًا على بُعد 120 كيلومترًا جنوب غرب حقل الشيبة، وتم كذلك اكتشاف حقل "أم خنصر" للغاز الطبيعي غير التقليدي، في منطقة الحدود الشمالية على بُعد 71 كيلومترًا جنوب شرق مدينة عرعر، بالإضافة إلى اكتشاف حقل "سمنة" للغاز الطبيعي غير التقليدي في المنطقة الشرقية جنوب حقل الغوار على بُعد 211 كيلومترًا جنوب غرب مدينة الظهران.

النفط الاستراتيجي

ومنذ أمد بعيد، تتركز مفاتيح قطاع الطاقة العالمي في الرياض، وهذا ما أثبتته تعليقات الصحافة العالمية على تمسك المملكة بموقفها؛ إذ ذكر موقع قناة "فوكس نيوز"، أن الأخبار التي تفيد بأن المملكة تدرس تسعير مبيعات النفط باليوان الصيني بدلًا من الدولار الأمريكي، قد تثير المخاوف الأمريكية.

السيناتور الأمريكي "بين ساسي"، تَحدث صراحة في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز"، عن أن هذا التطور في الموقف السعودي، بالإضافة إلى الحرب الأوكرانية، قد يجعل الولايات المتحدة تفقد مكانتها على الساحة العالمية، قائلًا: "هذا التحول أن حدث فهور أمر كبير وسيء جدًّا لواشنطن".

أما صحيفة "وول ستريت جورنال"، فطالبت واشنطن بالتراجع قليلًا؛ لكونها لا تستطيع تحمل غضب الحلفاء -في إشارة للمملكة- الذين يمكن أن يساعدوا في ردع المعتدين المصممين على الإضرار بمصالح الولايات المتحدة وقيمها، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تدفع ثمن خسارتها للرياض في أزمة أوكرانيا.

وبات واضحًا أن الإشارة السابقة إنما تعكس بوضوح استقلال القرار السعودي الذي ينأى بعيدًا عن المصالح السياسية الوقتية؛ وهو ما دللت عليه صحيفة الجارديان في تقرير نشرته للكاتبين مارتن تشولوف وجوليان بورغر؛ إذ يقولان إن تمسك كل من الرياض وأبو ظبي بموقفهما بخصوص ضخ مزيد من النفط في الأسواق؛ قد يعيد ترتيب النظام الإقليمي على أساس شروط تصب في صالح السعودية والإمارات.

الكاتبان تحدثا بوضوح عن أن أخطر صدمة نفطية منذ عقود أصبحت "حقيقة"، بعد فشل محاولات الرئيس الأمريكي جو بايدن إقناع السعودية والإمارات بزيادة إنتاج النفط لإحداث ضغط سياسي على روسيا.

إرهاب الطاقة

وسط هذه الأجواء الاقتصادية الملبدة بالغيوم، تخوض الرياض حربًا ضد الإرهاب، وتواجه محاولات غادرة من مليشيا الحوثي الإرهابية والمدعومة إيرانيًّا، والتي تستهدف المنشآت النفطية بالأخص.

إرهاب حوثي كان آخر حلقاته الاعتداء على منشأة أرامكو بجازان، ومحطة توزيع المنتجات البترولية شمال جدة؛ مما دعا وزارة الخارجية السعودية لإصدار بيان تُحذّر فيه العالم من مغبة استمرار العربدة الحوثية، دون ردع عالمي.

مصدر مسؤول في وزارة الخارجية أكد عدم تحمل المملكة مسؤولية أي نقص في إمدادات البترول للأسواق العالمية، في ظل الهجمات التي تتعرض لها منشآتها النفطية.

مخاطر عالمية حذّرت منها السعودية خاصة فيما يتعلق بتزويد إيران المليشيات الحوثية الإرهابية بتقنيات الصواريخ البالستية والطائرات المتطورة دون طيار، التي تستهدف بها مواقع إنتاج البترول والغاز ومشتقاتهما في المملكة، بما "يترتب عليه من آثار وخيمة على قطاعات الإنتاج والمعالجة والتكرير"؛ الأمر الذي يهدد أمن واستقرار إمدادات الطاقة إلى الأسواق العالمية.

وحمّل المصدر المجتمع الدولي مسؤولية المحافظة على إمدادات الطاقة ووقوفه بحزم ضد المليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران، وردعها عن هجماتها التخريبية التي تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن الإمدادات البترولية في هذه الظروف بالغة الحساسية التي تشهدها أسواق الطاقة العالمية.

ووجّهت المملكة رسالة قوية للعالم عبر الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو، أمين الناصر، الذي أكد في تصريحات لـ"رويترز"، أن هجمات جماعة الحوثي، تمثل "مصدر قلق" عالميًّا، وقد تؤثر على الإمدادات، في وقت بالغ الحساسية.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org