زيارة بايدن.. كيف رسمت الرياض خارطة العلاقات وأثبتت التطوراتُ قوة موقفها

خطوةٌ تؤكد سياسة السعودية المنفتحة على الجميع وترسيخًا لمبدأ التشاور والشراكة
زيارة بايدن.. كيف رسمت الرياض خارطة العلاقات وأثبتت التطوراتُ قوة موقفها

تأتي دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن لزيارة المملكة، كخطوة تأكيد على سياسة السعودية المنفتحة على الجميع، وترسيخًا لمبدأ التشاور والشراكة.

جاءت الدعوة السعودية كفرصة متاحة أمام واشنطن لإعادة تقييم العلاقات الثنائية، ووضعها في مسارها السليم الذي يعتمد الشراكة لا الوصاية سبيلًا للتعاون، وإعادة رسم خريطة متوازنة للعلاقات.

ويمكن لمتتبع العلاقات الثنائية، منذ تولي الرئيس الأمريكي بايدن، أن يرى أن واشنطن خرجت خاسرة في كل الملفات المشتركة، ربما لسوء تقدير من إدارة بايدن، التي أرادت التأثير على قرارات المملكة، بما يخدم مصالحها.

عدم الانحياز

مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، رأت إدارة بايدن أن في جميع حلفائها أدوات لخدمة مصالحها؛ وهو ما لا يتوافق مع سياسات المملكة، التي تضع مصالح مواطنيها في مقدمة الأولويات، وكان الخلاف الأول مع واشنطن هو ملف النفط.

وجاءت نقطة الخلاف، بعد طلب واشنطن من المملكة زيادة ضخ النفط، كإجراء مكمل لقرار واشنطن الذي يقضي بحظر النفط كعقوبة اقتصادية أمريكية لموسكو؛ متجاهلة أن المملكة ملتزمة باتفاق أوبك+، لتحدث معركة فرض إرادة كانت السعودية هي الطرف الأقوى فيها، وبالفعل تلتزم باتفاقها الذي أبرمته في فبراير الماضي، على ضخ زيادة طفيفة في الإنتاج بواقع 400 ألف برميل يوميًّا بداية مارس.

استهدفت المملكة إظهار عدم الانحياز في وقت حساس للغاية، وسط أجواء تنذر بحرب عالمية جديدة بين معسكري الشرق والغرب، ليخرج الرئيس بايدن خاسرًا في هذا الملف؛ إذ فشل في استقطاب المملكة لتحالفاته.

وهم "الاتفاق النووي"

دأبت إدارة "بايدن" على السعي لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، ولم تُنصت إلى المملكة وتعي أن طهران تدير صفقة مماطلة طويلة الأمد حتى تنتهي من برنامجها النووي غير السلمي.. ولعل هذا الأمر سيكون مثار حديث كبير خلال زيارة الرئيس الأمريكي للمملكة، خاصة وأنه سيحضر قمة مشتركة دعا إليها خادم الحرمين الشريفين، مع قادة دول مجلس التعاون وملك الأردن عبدالله الثاني، ورئيس جمهورية مصر العربية عبدالفتاح السيسي، ورئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، كقوى إقليمية تتحسس الخطر القادم من طهران.

واليوم، وبعد محاولات أمريكية فاشلة لإحياء اتفاق نووي مقتول في مهده، أدركت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن المفاوضات مع إيران غير مجدية؛ فيما تنتظر واشنطن ما أسمته بالرد البنّاء من جهة طهران، التي تمضي في برنامجها غير السلمي.

ولم يستمع "بايدن" أيضًا إلى مئات الأصوات من أعضاء مجلس الشيوخ الذين أكدوا أن الاتفاق النووي مجرد سراب تتستر به إيران للوصول إلى مبتغاها.. واتضح أن رأيهم كان صحيحًا اليوم، وأن طهران كانت تسعى فقط للمماطلة وكسب الوقت لدعم خططها النووية التي تهدد الشرق الأوسط والعالم.

وتتوافق كل من المملكة والولايات المتحدة، اليوم، على رؤية واحدة تجاه طهران، تتمثل في توحيد الجهود لردع سلوكياتها التي تهدد أمن واستقرار المنطقة والعالم، علاوة على وقف خطر المليشيات الإرهابية التي تدعمها الدولة الإيرانية؛ حيث ستكون الزيارة نقطة ارتكاز جديدة للتواصل والتنسيق على أعلى المستويات.

تمهيد سعودي

المتابع للخطوات السعودية على الصعيد السياسي، سيدرك أن زيارة الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز نائب وزير الدفاع لواشنطن، مهّدت للدعوة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين للرئيس الأمريكي.

وشهدت الزيارة تأكيدًا أمريكيًّا على لسان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، الذي أكد التزام بلاده بالشراكة الدفاعية مع المملكة، كما أجرى الأمير خالد بن سلمان لقاءات هامة مع مسؤولين أمريكيين، أكدوا صلابة العلاقات الثنائية، ودعم حق المملكة في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الخارجية.

وكان أبرز تصريح أمريكي خلال الزيارة، ما أطلقه مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان، الذي أكد في أعقاب اجتماعه مع الأمير خالد، أن الأمن القومي الأمريكي يرتبط بما لا يدع للشك بالسياسات النفطية السعودية؛ مما يوضح أن رسالة المملكة وصلت بوضوح إلى واشنطن بأن العلاقات بين الدولتين هي علاقة شراكة لا فرض إرادة.

أهمية الزيارة

تكتسب زيارة الرئيس الأمريكي، أهمية كبيرة خاصة أن المملكة هي البلد العربي الوحيد الذي سيزوره خلال جولته بالشرق الأوسط، وهو ما يعكس إدراك واشنطن لدور المملكة الحيوي في المنطقة.

وتلتفت الزيارة هذه المرة لملفات وتوافقات حددتها المملكة؛ يُعد أهمها استشعار القيادة في المملكة والولايات المتحدة لحجم التحديات المشتركة، وضرورة رفع عمليات التنسيق لأعلى مستوى.

وتُظهر زيارة بايدن مدى أهمية العلاقات الثنائية بين المملكة والولايات المتحدة، ونظرة العالم إلى هذا التحالف الذي تنعكس صلابته على أمن واقتصاد المنطقة والعالم.

وستتناول الزيارة عدة ملفات شائكة؛ منها العمل على جعل الشرق الأوسط خاليًا من أسلحة الدمار الشامل، وهو النهج الذي أكدت عليه المملكة دائمًا ليكون أساسًا لأي اتفاق نووي مع إيران، وهو أنه لا يمكن السماح لطهران بإنتاج وامتلاك أسلحة نووية.

شراكة ضد الإرهاب

من الملفات التي يُنتظر أن تُطرح خلال الزيارة، دعم الولايات المتحدة لجهود المملكة من خلال قيادتها للتحالف العربي لتحقيق أمن واستقرار اليمن، ودعم الحلول السياسية، وفق مخرجات اتفاق الرياض.

بالإضافة إلى المشاورات حول استمرار مكافحة التطرف والإرهاب، التي تعد من أحد أهم أوجه الشراكة الاستراتيجية بين البلدين؛ إذ أسفر ذلك بالفعل عن دحر التنظيمات الإرهابية وهزيمتها.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org