
مع مرور يوم خامس على الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، يوم الاثنين الماضي، بدأت تتلاشى الآمال في العثور على مزيد من الأحياء تحت الركام الذي حوّل 10 ولايات تركية إلى مناطق منكوبة في جنوب وشرق وجنوب شرقي البلاد، ورغم ذلك فقد استمرّ المسعفون ومعهم ذوو المفقودين في التمسك بأي أمل حول إمكانية العثور على مزيد من الناجين، وهو أمر كانت تعززه بين وقت وآخر أخبار تفيد بعثور فرق الإنقاذ على أحياء.
وبجانب أكوام الركام في المناطق المنكوبة، كانت أمهات وزوجات وأقارب يلفون أجسادهم بالبطاطين، ويتحلّقون حول نيران أشعلوها من أخشاب جمعوها لتساعدهم في التغلب على الانتظار لساعات طويلة في برد شديد ودرجات حرارة تصل أحيانًا إلى 10 درجات تحت الصفر.
وكان واضحًا أن كثيرًا من هؤلاء يعانون من الصقيع والجوع واليأس الذي الْتهم ما تبقى من صبر لدى مئات الآلاف من الأشخاص الذين أصبحوا بلا مأوى بسبب عدم قدرتهم على دخول منازلهم المهدّدة بالانهيار، بسبب الهزات الأرضية الارتدادية في الولايات التي ضربها الزلزالان اللذان وقعا في بازارجيك وإلبيتسان في كهرمان ماراش بجنوب تركيا، فجر الاثنين الماضي، وتأثّرت بهما إلى جانب كهرمان ماراش كل من: هاطاي، أديامان، أضنة، كيليس، عثمانية، مالاطيا، غازي عنتاب، شانلي أورفا، وديار بكر، إلى جانب مناطق في سوريا.
وفيما أعلن وزير الصحة التركي، مساء أمس، أن عدد قتلى الزلزال زاد على 20213 شخصًا، واصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لليوم الثالث جولته في المناطق المنكوبة، وقال، خلال تفقده المواقع المتضررة في أديمان جنوب تركيا الجمعة: إن حكومته تعد برنامجًا شاملًا لنهوض البلاد من جديد، لا سيما في المناطق المتضررة من الزلزال.
وأكد أنهم سيضمنون انتقال المواطنين الذين لا يريدون البقاء في الخيام إلى منازل، وستتكفّل الحكومة بدفع إيجار السكن لهم لمدة سنة؛ حتى تتم إعادة بناء المنازل في المناطق المتضررة، مشيرًا إلى أن الحكومة وجهت أوامر لشركة الخطوط الجوية التركية لنقل المسافرين من وإلى مناطق الزلزال مجانًا؛ وفق ما نقلت "الشرق الأوسط أونلاين".
قال أردوغان في كلمة ألقاها لاحقًا خلال تفقده المناطق المتضررة في مالاطيا "شرق": إن هناك أكثر من 141 ألفًا من رجال البحث والإنقاذ من تركيا يعملون في المناطق المنكوبة جنبًا إلى جنب مع الفرق التي جاءت من الخارج، وأشار إلى أن هناك بعض العناصر الإجرامية التي تمارس أعمال النهب والسرقة في المحلات والمراكز التجارية والمنازل الخالية في المناطق المتضررة، وأن قوات الأمن تتعامل معهم بحزم.
ومع مرور الساعات يتضاءل بصيص الأمل شيئًا فشيئًا، لكن فرق البحث والإنقاذ العديدة استمدّت الطاقة وارتفعت معنوياتها، رغم الإرهاق الشديد، بعد أن تمكّنت في الساعات الأخيرة من انتشال العديد من الأحياء من تحت أنقاض المباني المنهارة، الجمعة، في اليوم الخامس بعد وقوع الزلزال.
وتمكّنت فرق الإنقاذ من انتشال أم وأولادها الثلاثة وهم على قيد الحياة من تحت الأنقاض، بعد 108 ساعات على الزلزال، في هاطاي؛ حيث نجحت الفرق التابعة لدائرة الإطفاء ببلدية أنطاليا، في إنقاذ الأم نسيلهان "41 عامًا"، وأبنائها: فاطمة "21 عامًا"، ومنيرة "15 عامًا"، ورمضان "7 أعوام"، في غضون نحو 3 ساعات بعد سماع صوت قادم من تحت الركام.
وفي ولاية كهرمان ماراش نجحت الفرق بانتشال طفلة سورية تدعى فاطمة "14 عامًا" من تحت أنقاض منزلها في قضاء إلبيستان، بعد مرور 104 ساعات على الزلزال. ونجحت الفرق بإنقاذ شخص يدعى "حسين" "38 عامًا" من تحت أنقاض منزله في قضاء "12 شباط" بعد مرور 105 ساعات على الزلزال.
وأرشدت كلبة كانت عالقة تحت الأنقاض فريق إنقاذ تحت الأنقاض في شارع "أتاتورك" في هاطاي؛ حيث سمع الفريق نباحًا بين الأنقاض، ليسارعوا على الفور بأعمال إزالة الحطام، وتبيّن أن امرأة تدعى "دويجو" "35 عامًا" كانت عالقة تحت الركام؛ حيث تم إنقاذها بفضل كلبتها "فينوس".
وفي قضاء كيركهان في هاطاي، نجحت فرق الإنقاذ في انتشال أم وابنها بعد 102 ساعة تحت الأنقاض.
كما نجحت جهود فرق الإنقاذ في قضاء نزيب في ولاية غازي عنتاب، في انتشال امرأة من بين أنقاض بناء مؤلف من 6 طوابق بعد مرور 107 ساعات على الزلزال، وقبلها تمكنت من إنقاذ شخصين بينهما طفل من أنقاض البناء نفسه.
وتمكّن فريق الدفاع المدني من إنقاذ شخصين في أديامان بعد مرور 104 ساعات تحت الأنقاض، و6 أشخاص من كبار السن في إسكندرون بولاية هطاي بعد مرور 102 ساعة من بين 9 أشخاص، انهار عليهم المبنى، كما سبق إنقاذ شخص في هاطاي مكث تحت الأنقاض 98 ساعة، ونجح فريق إنقاذ في انتشال شخص آخر في مدينة أنطاكيا في هاطاي بعد الاستعانة بأجهزة سمعية وكاميرات حرارية، وذلك بعد مكوثه 101 ساعة تحت الركام، وفي بلدة باغلار في ولاية ديار بكر، تمكّن فريق من إنقاذ أم وابنها من تحت الأنقاض بعد 101 ساعة من وقوع الزلزالين.
وفي الإطار ذاته تكلّلت جهود المسعفين بالعثور على رضيع عمره 10 أيام فقط، ظلّ حيًّا لأربعة أيام مع والدته في مبنى منهار؛ بحسب ما ذكرت "وكالة الصحافة الفرنسية" في تقرير من أنطاكيا، أمس.
واستقبلت بطانية دافئة الطفل التركي ياجيز أولاس، ونُقل إلى مركز طبي ميداني في سامانداج، بمقاطعة هاطاي، الجمعة. وأظهرت صور فيديو من وكالة إدارة الكوارث التركية عمال الطوارئ وهم ينقلون والدته التي كانت ضعيفة وشاحبة في حالة ذهول لكنها تدرك ما يجري.
وأنعش إنقاذ عدد من الأطفال معنويات طواقم المسعفين المنهكة. وأظهرت مقاطع مصورة نشرتها أجهزة التصدي للكوارث أنه تم إنقاذ 7 أطفال على الأقل، الجمعة، وألهم صمودهم المذهل فرق البحث التي أنقذت أيضًا عددًا من البالغين من تحت الأنقاض.
وأظهر مقطع مصور من وزارة الدفاع التركية عمال إنقاذ يرتدون ملابس برتقالية دسوا أنفسهم في فجوة أسفل مبنى متهدم ليجدوا طفلًا صغيرًا يبكي والغبار يملأ عينيه، قبل أن يهدِّئوا من روعه ويمسحوا وجهه، في بلدة كهرمان مرعش التركية، على بعد 200 كيلومتر شمالي سامانداج.
وأطلّ وجه خائف لصبي آخر من مبنى مدمر تمامًا، وغلبت صيحاته صوت آلات التنقيب والإزالة التي تحاول إنقاذه صباح الجمعة، في مدينة ديار بكر ذات الأغلبية الكردية التي حولت قوة الزلزال التي بلغت 7.8 درجة وتوابعه المباني السكنية فيها إلى أكوام من الأنقاض والركام.
وبعد أن صنع عمال الإنقاذ حفرة أوسع، أسعفوا الطفل بالأكسجين وحملوه بعيدًا، وتبعته والدته، مثلما حدث في حالة الطفل ياجيز، بعد 103 ساعات من وقوع الزلزال.
وعلى الجانب الآخر من الحدود في سوريا، استخدم رجال الإنقاذ من مجموعة "الخوذ البيضاء" أياديهم فحسب حتى عثروا على قدمين عاريتين تبين بعدها أنهما لفتاة صغيرة تم انتشالها شاحبة وحزينة بعد أيام تحت الأنقاض، لكنها ما زالت على قيد الحياة.
في غضون ذلك تواصل تدفق المساعدات الخارجية على تركيا، وأعلن نائب وزير خارجية نيوزيلندا ديفيد باركر، الجمعة، عزم بلاده إرسال مساعدات إنسانية إضافية بقيمة 1.89 مليون دولار للمساهمة بجهود الإغاثة بتركيا وسوريا.
بدورها أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، في بيان، انطلاق طائرتي شحن تحملان مواد إغاثية ومستشفى ميدانيًّا وعاملين صحيين إلى تركيا.
وانطلقت طائرة باكستانية تحمل على متنها 100 طن من المساعدات الإنسانية من مطار مدينة لاهور نحو تركيا، كما تم تجهيز 40 طنًّا من المساعدات لإرسالها إلى تركيا، السبت، عبر الخطوط الجوية التركية.