خبراء معماريون: التسرع بإعادة الإعمار قد يعرض تركيا لكارثة جديدة

السلطات قالت إن هناك 380 ألف وحدة في 105794 مبنى بحاجة إلى الهدم
مباني مدمرة في تركيا إثر الزالزال
مباني مدمرة في تركيا إثر الزالزال

قال مهندسون معماريون ومدنيون إن خطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإعادة الإعمار سريعًا بعد الزلازل المدمرة التي ضربت بلاده تنذر بوقوع كارثة أخرى ما لم يتم إعادة النظر بعناية في التخطيط الحضري وسلامة المباني، وفقًا للعربية نت.

وتفصيلاً، تعهد أردوغان بإعادة بناء المنطقة الجنوبية، التي شهدت وقوع الكارثة، في غضون عام، وهو تعهد تشير تقديرات متحفظة إلى أن تكلفته ستبلغ نحو 5 مليارات دولار في حين تشير توقعات أخرى إلى أنها أعلى من ذلك بكثير.

وتقول السلطات التركية إن أكثر من 380 ألف وحدة في 105794 مبنى بحاجة ماسة إلى الهدم أو انهارت، من أصل 2.5 مليون مبنى في جميع أنحاء المنطقة.

واتسم حكم أردوغان المستمر منذ عقدين بازدهار التطوير العمراني. ووفقًا لحسابات "رويترز"، جمعت حكومته نحو 38 مليار دولار من الضرائب المرتبطة بالزلزال. ويمكن أن توفر هذه الضريبة، التي لا تزال سارية، تمويلاً سريعًا لبدء جهود إعادة البناء.

وفي مواجهة الانتخابات المقررة في يونيو، تتعرض حكومة أردوغان لموجة من الانتقادات بسبب أسلوب تعاملها مع ما حدث من دمار وما يقول كثيرون من الأتراك إنه نتاج سياسات على مدى سنوات أدت إلى تدمير عشرات آلاف المباني بسهولة.

وقال أردوغان إن الحكومة ستغطي إيجارات من يغادرون المدن التي ضربها الزلزال. وأضاف "سنعيد بناء هذه المباني في غضون عام ونعيدها للمواطنين".

لكن الخبراء يعتقدون أنه بحاجة إلى تطبيق معايير السلامة من الزلازل بعناية وتشييد مبانٍ أكثر أمانًا في المنطقة التي تمتد على أحد خطوط الصدع الثلاثة التي تتقاطع مع تركيا.

وفي إسطنبول، قالت إيسين كويمين الرئيسة السابقة لغرفة المهندسين المعمارين في المدينة: "إحلال المباني المهدمة ليس هو الضروري فحسب، لكن أيضًا إعادة تخطيط المدن بناء على البيانات العلمية مثل عدم البناء على خطوط الصدع وتعلم الدروس من أخطاء الماضي"، مضيفًا أن: "التخطيط الجديد هو ما يجب أن يتصدر الأولويات وليس البناء الجديد".

وتسببت الزلازل التي وقعت في السادس من فبراير، والتي ضربت سوريا المجاورة أيضًا، في تشريد ما يربو على مليون شخص ومقتل عدد أكبر بكثير من أحدث حصيلة رسمية بلغت 46 ألف شخص في كلا البلدين.

ودمرت الزلازل جنوب تركيا في ذروة فصل الشتاء الذي تقترب فيه البرودة أثناء الليل من درجة التجمد، مما جعل الكثير من خيام الطوارئ غير مناسبة للمشردين. وغادر أكثر من مليوني شخص المنطقة التي كان يقطنها أكثر من 13 مليون نسمة.

وقال خبراء إن الزلازل كشفت عن هشاشة البنية التحتية لتركيا لأنها دمرت المباني الحديثة والقديمة، بما في ذلك مستشفيات ومساجد وكنائس ومدارس.

ويشعر بعضهم الآن بالقلق من أن الإطار الزمني الطموح للحكومة لا يترك سوى القليل من الوقت لإصلاح أخطاء الماضي.

وقال نصرت سونا، نائب رئيس غرفة المهندسين المدنيين: "عندما يقولون ’نبدأ البناء في شهر’، فإننا ننتهي منه في عام. وعدم الانتهاء من التخطيط للمدينة يعني صراحة أن الكارثة التي نمر بها لم يتم أخذها في الاعتبار".، مضيفًا : "يستغرق الأمر شهورًا لوضع مخططات للمدينة... من الخطأ الفادح تجاهل تلك الخطط".

من جهة أخرى، قال وزير البيئة والتطوير العمراني مراد قوروم الأسبوع الماضي إن الحكومة ستدرس المسوحات الجيولوجية التفصيلية في خطط إعادة إعمار المدينة، وإنه سيتم طرح عطاءات.

وأفاد تقرير لبنك "جيه. بي. مورجان" الأمريكي بأن فاتورة إعادة بناء المنازل وخطوط النقل والبنية التحتية تبلغ نحو 25 مليار دولار أو 2.5 % من الناتج المحلي الإجمالي. وقدر تقرير آخر صادر عن اتحاد أرباب العمل في تركيا "توركونفيد" قيمة الخسائر التي لحقت بالمساكن بنحو 70.8 مليار دولار. ويقول محللون إن التكاليف ربما تتجاوز التقديرات الأولية.

وعلى مدى 20 عامًا في السلطة، استغل أردوغان المشروعات العقارية الكبرى للحديث عن ازدهار تركيا الآخذ في النمو. ووفرت أعمال بناء المباني العامة والخاصة مزيدًا من الوظائف وزادت من المعروض في المساكن ودعمت نتائج التأييد له في استطلاعات الرأي.

وتشكل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تلوح في الأفق، والتي ربما تتأخر بسبب الزلزال، أكبر تحدٍ سياسي لأردوغان حتى الآن بالنظر إلى أن أزمة تكلفة المعيشة ألقت بثقلها على الأتراك قبل وقوع الكارثة بوقتٍ طويل.

ويقول بعض المنتقدين إن الدولة فاقمت الأزمة بمنحها عقود بناء مربحة على مدى سنوات لشركات "صديقة" مقابل دعم سياسي ومالي.

وقالت بينار جيريتلي أوغلو، رئيسة غرفة مخططي المدن في إسطنبول: "لسوء الطالع، يستمر النظام الريعي، وليس العلم، في السيطرة على كل شيء".

وتعهدت الحكومة بالتحقيق مع أي شخص يشتبه في مسؤوليته عن انهيار مبانٍ، واعتقلت العشرات حتى الآن.

وعلى الرغم من عدم وجود بيانات محددة عن أكثر من 20 مليون مبنى في البلاد، قال وزير التطوير العمراني السابق محمد أوزهسكي عندما كان في منصبه في منتصف عام 2018 إن "أكثر من 50 % من جميع المباني" مخالفة للوائح الإسكان.

ويتهم ساسة معارضون حكومة أردوغان بعدم إنفاذ لوائح البناء وبسوء إنفاق إيرادات الضرائب الخاصة التي يتم جبايتها منذ الزلزال الكبير الذي وقع في عام 1999 من أجل جعل المباني أكثر مقاومة للزلازل.

ونفى أردوغان مرارًا ما وصفه بـ"أكاذيب المعارضة التي تستهدف عرقلة الاستثمار".

وفي عام 2018، أصدرت الحكومة عفوًا عن المباني القائمة التي انتهكت قواعد البناء مقابل رسوم، وهي ممارسة نُفذت أيضًا في ظل حكومات سابقة قبل عام 1999.

يُذكر أن وكالة الإسكان الحكومية "توكي" شيدت مليون منزل فقط مقاومة للزلازل على مدى العقدين الماضيين، أي نحو 5 % فقط من المباني في تركيا، وبنى القطاع الخاص ما يزيد قليلاً على مليوني منزل مقاوم للزلازل خلال الفترة ذاتها، بحسب وزير التطوير العمراني الحالي قوروم.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org