إيران في مواجهة "الشبح الأكبر".. فهل ينقذها "طوق النجاة" الأوروبي؟

أرقام اقتصادية مخيفة تنذر بكارثة كبيرة
إيران في مواجهة "الشبح الأكبر".. فهل ينقذها "طوق النجاة" الأوروبي؟

تعيش إيران فترة دقيقة في تاريخها الحديث على وقع أزمات كبرى تضربها بقوة من كل جانب، فمن سياسات خارجية خاطئة إلى وضع اقتصادي كارثي، فضلاً عن توتر العلاقات مع الولايات المتحدة، واحتمالية نشوب حرب ستكون إيران هي الخاسر الأكبر فيها بلا شك.

ولكن يظل الوضع الاقتصادي المتردي هو الشبح الأكبر الذي يواجه نظام الملالي، فمشكلة إيران من الداخل، وهي ما تضعها اليوم في موقف ضعف تبحث عن حلول فلا تجد، فيضطر قادتها إلى استخدام الخطابات الشعبوية، واللغة الحماسية الديماغوغية لمحاولة الهروب إلى الأمام، وتحويل المشكلة من اقتصادية بحتة إلى سياسية عسكرية مع الولايات المتحدة التي اعتاد المرشد الأعلى إطلاق لفظ "الشيطان الأكبر" عليها، وبطريقة غير مباشرة يخاطب شعبه: هل هناك ما هو أهم من مواجهة "الشيطان الأكبر"؟

ولكن القراءة في الأرقام الاقتصادية الإيرانية تخبرنا بأنه هناك ما هو أهم من مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، لا يسعى إليها أحد إلا إيران؛ لتخفيف الضغوط الاقتصادية التي تواجهها، والتي تسبب في جزءٍ منها عدم التزامها ببنود الاتفاق النووي، الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في مايو الماضي واصفة إياه بالمعيب. فطهران تواجه أصعب وضع اقتصادي منذ 40 عاماً بحسب تصريح سابق للرئيس الإيراني حسن روحاني، يتحتم التعامل معه، ويضعها في موقف ضعف أمام الضغوط السياسية والعسكرية ولا ينذر بقدرتها على النجاة.

أرقام مخيفة

يشير أرقام البنك الدولي عن الوضع الاقتصادي الإيراني إلى وجود انخفاض في نمو إجمالي الناتج المحلي لإيران في العام 2017/ 2018 إلى 3.8% مع تلاشي تأثير الزيادة الكبيرة في الإيرادات البترولية في العام السابق، كما انخفض فائض الحساب الجاري من 3.9% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2016/ 2017 إلى 3.5% من إجمالي الناتج المحلي في 2017/ 2018، مع بدء انخفاض إنتاج النفط الإيراني في عام 2018.

وبعد أشهر من الاضطراب في سوق الصرف، أعلنت الحكومة الإيرانية توحيد سعري الصرف الرسمي والموازي في أبريل 2018، لكنها لم تفلح في تحقيق أهدافها بتهدئة الأسواق. وارتفع سعر السوق الموازية (السوداء) تحسباً لاستمرار النقص في الدولار الأمريكي مع انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في مايو 2018. وبحلول أغسطس 2018، كان الريال الإيراني قد فقد 172% من قيمته على مدار 12 شهراً الأخيرة، حيث ارتفع سعر الصرف إلى أكثر من 100 ألف ريال مقابل الدولار. وقد أسهم ذلك في عودة معدل التضخم المحسوب إلى 24% في أغسطس 2018، وهو معدل لم تشهده البلاد منذ 2013، فيما تشير بعض التقديرات غير الرسمية إلى ارتفاع معدل التضخم إلى نحو 43%.

مسار تنازلي

ويتوقع البنك الدولي للاقتصاد الإيراني في الأمد المتوسط أن يشهد مساراً تنازلياً، حيث يتوقع تراجع الصادرات النفطية إلى نصف مستوياتها في 2017/ 2018، وذلك بعد إعادة التطبيق للعقوبات الأمريكية. كما يتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 1.4% في المتوسط بين 2017/ 2018 - 2020/ 2021، حيث سيشهد تراجعاً في الصادرات والاستهلاك على جانب الطلب، وانكماشاً في القطاع الصناعي على جانب العرض.

كما يتوقع البنك الدولي أن يؤدي ارتفاع أسعار الواردات بسبب خفض قيمة العملة إلى دفع معدل التضخم ثانية فوق 30% في السنوات المقبلة، في ظل تصاعد التوقعات التضخمية وتراجع ثقة المستهلكين، مما يؤدي مرة أخرى إلى فترة من الركود الاقتصادي المقترن بالتضخّم في إيران. وعلى الرغم من تراجع قيمة العملة وانخفاض الواردات، تذهب التقديرات إلى أن انخفاض الصادرات النفطية سيؤدي تقريباً إلى القضاء على فائض الحساب الجاري الذي يعد أقل من مستواه في فترة العقوبات السابقة عندما بلغت أسعار النفط نصف المستويات تقريبا التي كانت عليها في 2012/ 2013 - 2013/ 2014. ومن المحتمل كذلك أن يضع المسار التنازلي للاقتصاد الإيراني مزيداً من الضغوط على سوق العمل.

وضع مأساوي

ويكشف مصطفى مير موساوي العضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران، أن نحو 70 % من المصانع أغلقت بسبب الوضع الاقتصادي، وهو ما تدعمه تصريحات رئيس لجنة الصناعات في الغرفة التجارية الإيرانية أبو الفضل كلبايكاني الذي تحدث عن عدم توافر المواد الخام، ونقص العملة الصعبة بسبب العقوبات الأمريكية والتي أدت لإغلاق وإفلاس العديد من المصانع وورش العمل.

وفي ظل هذه الأرقام المأساوية ارتفع عدد العاطلين إلى نحو 12 مليون عاطل عن العمل، كما يعيش أكثر من 85% من المتقاعدين، وأكثر من 80% من موظفي إيران تحت خط الفقر. في المقابل زادت أسعار السلع الأساسية بشكل فج، فزادت لحوم الخراف بنحو 98٪ ولحوم الأبقار إلى 88٪، وارتفعت أسعار الدجاج بنسبة 87٪، والأرز بنسبة 75% ومعجون الطماطم بمقدار 231٪، وذلك خلال السنة الأخيرة فقط.

لا خيار

ويرى المحلل السياسي خالد الزعتر في مقاله "إيران.. من خطاب المكابرة إلى الاعتراف بالأزمة الاقتصادية" على بوابة "العين" الإماراتية أن: "النظام الإيراني لا يمتلك الكثير من الخيارات تجاه الأزمة الاقتصادية التي يعيشها".

مضيفاً: "ففي السابق كان يعول النظام الإيراني على الاتحاد الأوروبي للضغط على الإدارة الأمريكية، لكن حتى وإن كان هناك التزام أوروبي بالاتفاق النووي، فلا يزال هناك تطابق في وجهات النظر الأوروبية مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص السياسات الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وتجارب الصواريخ البالستية، وهو ما زعزع ثقة النظام الإيراني بالأوروبيين، وهذا ما تكشفه تصريحات المرشد الإيراني على خامنئي الذي حذر من "خداع" الدول الأوروبية، وهي تحذيرات تعكس الشك الإيراني في الاتحاد الأوروبي في مواجهة العقوبات الأمريكية والضغط الدولي المتزايد على طهران وبخاصة عقب مؤتمر وارسو".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org