أخي العربي: لماذا تكرهون السعودية؟!

أخي العربي: لماذا تكرهون السعودية؟!

كنت في طفولتي أحرص على القراءة لمثقفين وأدباء وشعراء عرب من دول شقيقة، ممن أفتخر كعربي بكونهم من ذات أمتي العظيمة؛ ولكن كان ما لاحظته من استعلاء وكبر واضح بين كلماتهم، ومحاولة تصنيفهم لشعوبنا العربية بالجهل والغباء والبلادة، وكنت أعذر لهم ذلك نظراً لما عايشوه من صدمة ثقافية وحضارية بعد استيطانهم المنفى وهجرهم أوطانهم وأصولهم؛ خاصة وأني كمواطن سعودي لم أعانِ ما عانوه، وكان -ولا يزال- يعيش بيننا العربي والأجنبي دون أن ننظر له نظرة نقص أو امتهان؛ بل تربيْنا وكبرنا ونحن نحبهم ونحترمهم ونشكر لهم إحسانهم في أداء أعمالهم، وندين لهم بالفضل على ذلك.

اليوم أسهمت الثورة التقنية في أن تعيش بصنعاء والقاهرة في آن واحد؛ حتى وإن كان جسدك لم يفارق الرياض، وأضحى التقارب اللغوي والفكري قادراً على أن يحييك في الستينيات الميلادية وإن كان تاريخ ميلادك بعدها بعقدين.. بدأنا نرى أن ما كنّا نقرؤه ونشعر به بين كلمات مثقفي وأدباء وشعراء المهجر لم يكن بسبب الصدمة الحضارية والثقافية التي تعرضوا لها؛ فقد تَشَرّب إخوتنا العرب ذات المرض وإن كانوا لم يبرحوا متراً عن أوطانهم؛ ولكن على ما يبدو أن العدوى انتقلت بواسطة الورق، أو أن رائحة العنصرية قد تكون معدية، وإن لم تصيبنا بذات الداء.

نعم هم يكرهون السعوديين أو الخليجيين، مهما اختلف المستوى الثقافي أو المالي، ولست أعمم هنا؛ ولكن أتحدث عن السواد الأعظم. وهل ذنبنا أن أجدادنا تهجروا ولَم يتخلّوا عن وطنهم وأرضهم؛ بل بقيت هذه الأرض وبناؤها وتنميتها همهم وشغلهم الشاغل؟! وكان جزاؤهم من الله على إحسانهم أن رزقهم قيادةً محبة غيورة، حرصت ووضعت أيديها في أيديهم، وبالفعل سرعان ما حوّلوا بلداننا إلى جنان تقارع بلدان العالم حضارة وتقدماً وتعليماً، دون أن يتخلّوا عن ماضيهم وعروقهم؛ بينما بَقِيَ أشقاؤنا العرب يبكون على ماضيهم، مفتخرين بإنجازات الاستعمار في بلدانهم.

لا أحب أن أتشمت أو أنعت أشقاء أعزاء يربطنا بهم وببلدانهم الدين والعرق واللغة، بالتخلف والرجعية؛ ولكن بما أنهم يَرَوْن أننا متخلفون ورجعيون؛ فالحقيقة أننا تجاوزناهم بسنين ضوئية؛ فالرياض وجدة ودبي والمنامة والكويت (دار البادية) اليوم تجاوزوتهم وأصبحت تقارع لندن ونيويورك وباريس وروما؛ تطوراً معمارياً وثقافياً وعلمياً وعسكرياً وصحياً واقتصادياً وتقنياً وفي جميع المجالات.

أصبحنا في عام ٢٠١٧م نعتبر شهادة البكالوريوس من جامعة شقراء، والتي تعتبر جامعة حكومية في محافظة تبعد ١٩٠ كيلو عن الرياض، أكثر قبولاً من الشهادة ذاتها من جامعات عريقة كجامعة القاهرة أو جامعة دمشق أو الجامعة اللبنانية أو جامعة طرابلس، وحين تحتاج إلى تدخل جراحي يثق العالم بالطبيب السعودي في مستشفى سعودي، أكثر من ثقتك بالأطباء العرب في مستشفيات عربية شهيرة، وجميعنا لا ننسى أن عمليات فصل التوائم انفردت بها المملكة بطواقم طبية سعودية ١٠٠٪‏؛ فرأينا الحالات من أوروبا تُجرى لها العمليات في الرياض؛ ليس فقط لأن الطبيب السعودي أفضل؛ بل لأنه الوحيد القادر والمتمرس على هذه العمليات النادرة والمعقدة.

إن دول الخليج تجاوزتهم، وبرغم ذلك لم نعانِ من داء النقص لنتكبر؛ بل ما زلنا ندين لأشقائنا العرب بالفضل؛ فنحن تعلمنا في مدارسنا على أيديهم، وأتحدث هنا عن جيلي ومن سبقه؛ ولكن هناك الآن من جيلي معلم سعودي، يفوق ما تعلمناه؛ فيُعلّم أبنائنا بواسطة وسائل حديثة، تضفي على التعلم -إضافة للحفظ- الاستيعاب والفهم والتحليل.

أصدقائي وإخوتي العرب، سنعمل معكم -كخليجيين- لتصلوا لما وصلنا إليه، وسنورث لأبنائنا ذلك، ولأن الأيام دُوَل؛ فقد تتجاوزونا غداً، ولكن ثقوا أننا لن نحقد عليكم لمجرد الحقد والعجز عن مجاراتكم؛ بل سنعمل جاهدين لنصلكم، وقد نعود ونتجاوزكم لو توقفتم.. هذا ما سنورثه لأبنائنا؛ فأنتم أشقاؤنا وإخوتنا، تقدّمكم تقدمٌ لنا، كحال تقدّمنا هو تقدمٌ لكم، وكمثال، انظروا لفرحة الخليجيين في تأهل المنتخبات العربية لكأس العالم؛ كسعودي لم تختلف فرحتي بتأهل المنتخب السعودي عن فرحتي بتأهل المنتخب التونسي والمصري والمغربي، ولا شك لديّ أن الإخوة الخليجيين اعتبروا أن المنتخبات الأربعة منتخبات بلادهم.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org