بين سياحة داخلية ومغريات خارجية.. السعوديون حائرون.. ورهان ولي العهد حاسم

46 مليار أُنفقت محليًّا.. "الغامدي" تحلل و"القراش" يفسر.. هنا عوامل التحول والمزايا
بين سياحة داخلية ومغريات خارجية.. السعوديون حائرون.. ورهان ولي العهد حاسم

مع تزامن قدوم شهر رمضان المبارك وعيد الفطر والإجازة الصيفية للطلاب والطالبات، يفكر عدد كبير من الأسر السعودية في قضاء إجازة العيد والصيف خارج المملكة، كما يفضل العدد الآخر قضاء الإجازة داخل المملكة، خصوصًا مع دخول هيئة الترفيه، وتقديم الكثير من العروض والفعاليات التي جذبت عددًا كبيرًا من الأسر من كافة المستويات.

تشجيع السياحة الداخلية

ويعد قطاع السياحة الداخلية من القطاعات الواعدة التي ما زالت في مراحلها الأولية؛ فيما كشف خبير في السياحة الخليجية أن عدد السياح السعوديين في دبي مرشح لأن يصل إلى 2.5 مليون سائح بحلول عام 2020، بزيادة 60% عن الماضي الذي بلغ عدد السعوديين فيه نحو 1.5 مليون سائح، وذلك بالنظر إلى تنامي مكانة دبي على خارطة السياحة الإقليمية وجاذبيتها لدى السياح السعوديين.

كما تشير الأرقام الحديثة الصادرة عن الحراك السياحي في السعودية إلى تحقق قفزات نوعية في مدة زمنية قصيرة، وأن عوائد هذه السياحة تدخل مباشرة في مسار التنمية، وما يساهم في تطوير القطاع السياحي؛ هو أن السعودية تتميز بتنوع فيها، من الشواطئ إلى المناطق الأثرية إلى الصحراء، ناهيك عن المرتفعات وما شابه ذلك من مواقع سياحية تجتذب السعودي والأجنبي على حد سواء، أضف إلى ذلك الأمان المتوافر في كل أرجاء المملكة.

وتشير الدراسات إلى أن حجم الإنفاق السياحي على السياحة المحلية في مناطق المملكة وصل إلى 46.3 مليار ريال في العام الماضي، وهذا يدل على نجاح تنشيط السياحة وجذب المواطنين والمقيمين إلى السياحة الداخلية.

بعيدًا عن النفط

وتقول الخبيرة الاقتصادية ومستشار تخطيط الخلافة للشركات العائلية الدكتورة نوف الغامدي لـ"سبق": "يعتمد قطاع السياحة على موارد متنوعة متجددة تزداد قيمتها مع مرور الزمن، وعلى المنشآت الخدمية الصغيرة والمتوسطة التي تتميز باستخدام العمالة الكثيفة، وهو ذو طابع إنساني يتداخل فيه إنتاج الخدمات السياحية مع مختلف الجوانب الثقافية والاجتماعية والبيئية؛ لذا فإن لقطاع السياحة تأثيرًا كبيرًا على كافة قطاعات الاقتصاد الوطني الأخرى؛ حيث تتم الاستفادة منه مباشرة، وينعكس هذا التأثير على الهيكل الاقتصادي والتكوين الاجتماعي والبيئي.

وتضيف: "تحظى السياحة اليوم بأهمية كبيرة ومميزة؛ لكونها أهم الصناعات في العالم، وإحدى أكبر الدعائم الأساسية التي تعزز النمو الاقتصادي وتسهم في إنعاش الحركة الاستثمارية، وتوفير الفرص الوظيفية. وضمن الرؤية الوطنية 2030 قررت المملكة العربية السعودية الاتجاه للاستثمار في القطاع السياحي، وجعله أحد أهم الركائز التي تقوم عليها الرؤية للتغلب على المعوقات، ولتغيير مفهوم السياحة الداخلية التقليدية، وجعلها منافسة للسياحة الخارجية لتحقق صناعة سياحية عالمية تصب في تنمية الاقتصاد الدولي بعيدًا عن النفط".‏

وظائف وعملة صعبة

وتتابع "الغامدي": "في إطار تنفيذ رؤية المملكة المستقبلية 2030، تأتي السياحة كأحد أهم روافد الاقتصاد الوطني؛ نظرًا لأهميتها سواء على مستوى التشغيل وتوفير مزيد من فرص العمل؛ كونها من الصناعات كثيفة العمالة؛ إذ من المستهدف حتى عام 2020 توفير 1.2 مليون وظيفة، أو على مستوى مردوداتها من العملات الأجنبية؛ كونها مصدرًا مهمًّا للعملة الصعبة؛ إذ إن من المستهدف تحقيقه حتى عام 2020 أن تصل نسبة إسهام هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بـ3.1 في المائة، إضافة إلى انعكاسها الإيجابي على تحسين مستوى الخدمات والبنية التحتية؛ إذ ما يتحقق من دخل من خلال هذا النشاط يعود بصورة إيجابية على هذه المشروعات.

وزارة مختصة

وفي هذا الخصوص تبرز أهمية منح هذا القطاع مزيدًا من الاهتمام الذي يمكن أن يتجلى في إنشاء وزارة متخصصة للسياحة تهدف إلى تنظيم هذا القطاع وفقًا للأهمية التي عكستها رؤية 2030 لهذا القطاع الحيوي؛ حيث يحتاج هذا القطاع إلى كثير من الأمور التي تعيد هيكلته، بدءًا من العناية بالمواقع المناسبة للسياحة سواء كانت شواطئ أو مواقع أثرية أو مواقع ذات مناظر جمالية، أو المدن التي بها المراكز الكبرى للتسوق، مرورًا بالعمل على تطوير الكفاءات خاصة في مجال تقديم الخدمات عمومًا، أو من خلال التوسع في تعلم اللغات الأجنبية، خاصة بالنسبة للجنسيات التي يتوقع أن تكون أكثر إقبالًا على السياحة في المملكة، وصولًا إلى العناية بوجود أدلة ومراكز المعلومات للسائح، فضلًا عن استكمال كافة مستلزمات العمل المطلوبة.

تأهيل مناطق الجذب

وحول السياحة الداخلية توضح: "ارتفاع الأسعار فيما يتعلق بتكاليف السياحة الداخليّة، خطورة أو عدم صلاحيّة العديد من الطرق الداخليّة والخارجيّة التي تربط المحافظات والمدن خاصة التي تحتوي على أماكن أثريّة، نقص وعدم كفاية الخدمات التي يحتاجها السياح على الطرق المؤدية للأماكن السياحيّة.

وتبين: "عدم تهيئة بعض المناطق التي يذهب إليها السياح، وافتقادها للعديد من الضروريات خاصة السكن؛ مثل: فنادق الثلاث نجوم لذوي الدخل المحدود، وكذلك النظافة، وقلة بعض الخدمات المشجعة على السياحة الداخليّة، عدم الاهتمام والعناية الكافية والضروريّة بالأماكن الأثريّة وضعف الترويج لها؛ وهذا ما انتبهت له المملكة مؤخرًا وبدأت في الترويج السياحي بشكل جميل، كما حدث في محافظة العلا مؤخرًا التي أصبحت محطَّ الأنظار".

وتشير إلى أن "انخفاض المستوى المعيشي للأفراد يؤدي إلى الحد من قدراتهم للإنفاق على الأنشطة السياحيّة، أيضًا ضعف أو عدم الرغبة لدى كثير من المواطنين في زيارة الأماكن والمعالم التاريخيّة والأثريّة في البلاد، ويرتبط ذلك بضعف الوعي السياحي والثقافي بأهميّة ومكانة هذه المعالم السياحيّة، بالإضافة إلى محدوديّة تنوّع الأنشطة الترفيهية والبرامج المشجعة للسياحة والترفيه الموجهة لفئات المجتمع باختلافها، بالإضافة إلى ضعف الحوافز التشجيعيّة الضروريّة التي تساهم في تنشيط الحركة السياحيّة الداخليّة.

عوامل التحول والاستقطاب

وأردفت: "يعود التحول القوي في قطاع السياحة، وقدرته على أخذ حيز كبير من القيمة الاقتصادية، إلى عدة عوامل في مقدمتها الاستراتيجية التي تبنتها الهيئة العامة للسياحة والآثار منذ تأسيسها في وضع خطة وطنية لعشرين سنة؛ انطلقت في 2001 وحتى 2020 والمعتمدة على تحويل السياحة كأداة اقتصادية تسهم في إيجاد فرص العمل والتوطين، مع تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وبلوغها في السنوات القادمة إلى نحو 9 ٪؜ من الناتج المحلي".

وبينت: "تمتلك السعودية الكثير من المقومات السياحية بوجود المدن الساحلية على الخليج العربي، والبحر الأحمر، وهي وجهات تستقطب الزوار في مواسم الشتاء لجوها المعتدل، إضافة إلى المصايف في جنوب البلاد، وهذا التنوع في السياحة يعد إضافة وقيمة اقتصادية تزيد من قوة القطاع السياحي، إضافة إلى المواقع الأثرية في عدد من المدن والقرى السعودية، وهي عامل مهم على استقطاب السياح من الداخل والخارج، ونجحت الهيئة أخيرًا في وضع عدد من المواقع التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي، والتي كان آخرها المنطقة التاريخية في جدة غرب السعودية التي اعتمدت من قبل منظمة اليونيسكو".

وفي خطوة لدعم القطاع، طرحت الهيئة 20 حقيبة استثمارية أخيرًا في مجال السياحة والتراث، كما أسهمت في تمويل 195 مشروعًا بأكثر من 196 مليون ريال، من خلال صناديق مختلفة، تساعد على تحفيز المشروعات السياحية الصغيرة والمتوسطة الذي تنفذها الهيئة بالتعاون مع الصناديق والبنوك الحكومية.

رهان ولي العهد

وتوضح: "يعد الترفيه من القطاعات التي لها بعد اقتصادي قوي يتلامس مع السياحة ويشكلان في مجملهما رافدًا مهمًّا للاقتصاد الوطني؛ مما يرفع معدلات الناتج المحلي إلى أرقام غير مسبوقة، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار اهتمام السعوديين في هذا الجانب، وسخاءهم في الإنفاق عليه؛ حيث عدّت بعض الدراسات الموثوقة السياح السعوديين في طليعة قائمة الجنسيات الأكثر إنفاقًا على السياحة والترفيه، وهو ما دفع سمو ولي العهد للرهان عليهما في سياق رؤيته الشاملة التي تستهدف تحرير الاقتصاد الوطني من الارتهان لسلعة النفط، وفتح كافة الآفاق الاقتصادية أمام الاستثمار؛ حيث تشكل هذه الأبواب قامة اقتصادية ضخمة تكتظ بالكثير من الفرص والمشاريع الواعدة التي ستفتح في النهاية أمام شباب هذا الوطن المزيد من فرص العمل، وستستدعي كل المستثمرين من كافة أرجاء المعمورة للاستثمار في هذا الكنز الذي ظل معطلًا طوال السنوات الماضية؛ حيث استفادت بعض دول الجوار من تعطيله، إلى أن تبنت الدولة رؤية السعودية 2030".

وجاء في طليعتها: الاستثمار في مجال صناعة الترفيه، وصناعة السياحة، لتفصح المملكة للعالم أجمع عن ثراء كنوزها المطمورة، ولتعلن قدومها بقوة في هذا القطاع حتى قبل أن تبدأ عمليًّا في الاستثمار الكبير، وذلك نسبة لما تزخر به المملكة من تنوع بيئي وتراثي وجغرافي وثقافي وفني بحيث يمكن استنتاج مئات الآلاف من الفعاليات المختلفة من هذه الأرصدة والكنوز وبما يرضي كافة الأذواق، ويدفعها للتألق.

الإجازة تقترب

من جهة أخرى يقول الباحث الاجتماعي عبدالرحمن القراش لـ"سبق": "نحن الآن نقف على أعتابِ نهاية عامٍ دراسي تختلج فيه معاني الفرح والسرور بعد موسم من الجدّ والاجتهاد الذي بذله أبناؤنا فـتكثر معه حفلات النجاح والتخرج والتهاني والتبريكات والزيارات، وما إنْ ينتهي الأسبوع الأول من الإجازة حتى تبدأ معاناة بعض الأسر من جديد؛ لأنّ المؤسسة التعليمية بكافة مراحلها كانت منظّمًا حيويًّا لحياة البيت ومساعدًا مـهمًّا في التربية وإشغال الوقت، ناهيك عن المصاريف المقـنّنة التي لا ترهق الميزانية العامة، ولكن في الإجازة تتعطّل الساعة البيولوجية فيصبح المنزل أشبه بالاستراحة؛ فمن بين نومٍ عميقٍ لا يقطعه شيء إلى سهرٍ لا نوم فيه، بالإضافة إلى لعبٍ ونزهات لا تتوقف إلى عزائمٍ وحفلات لا تكاد أنْ تنتهي، وبين هذا وذاك نجد أنّ التقنية قد أخذت الحيّز الأكبر من أيامهم.

ما الحل؟

ويبيِّن الباحث قائلًا: "لا شكّ أنّها معضلة اجتماعية لا تخلو منها بيوتنا، ولكن يبقى هناك حلّ بيد كل واحدٍ منا متى أدرك خطورة الإهمال الذي ربما ينعكس بشكل سيئ على حياتنا، وأرى أنّ هناك شركاء فيه كالآتي: يجب أنْ يكون من أجندة وزارة التعليم الموقرة كل عام برامج تربوية ترفيهية بعيدة عن المباني المدرسية من خلال التنسيق مع الهيئة العامة للرياضة، والهيئة العامة للترفيه، بحيث تدخل في الخطّ لوضع الإطار العام لاستغلال الإجازة بما يعود على الأبناء والأسرة بالنفع؛ كالبرامج الرياضية والثقافية والاجتماعية المستمرة طوال فترة الإجازة، ويقوم عليها شخصيات معتبرة كاللاعبين المشهورين والمعلمين والمدربين والشخصيات المعتبرة".

وأردف: "يجب أيضًا أنْ يكون لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية الموقرة دور فعّال في الإجازة؛ من خلال برامج التوظيف، والتدريب المهني، والنشاط الاجتماعي، والتأهيل الفكري في مراكز الأحياء، بحيث يستغل نشاط الشباب والشابات فيما يعود عليهم بالنفع؛ كاكتساب المهارات الحياتية التي تساهم في بناء الإنسان.

ويختتم قائلًا: "يجب على أولياء الأمور قبل وبعد فترة الاختبارات أن يكونوا القدوة الصالحة الناصحة ضد السلوكيات الخاطئة التي ربما يقع فيها فلذات أكبادهم؛ فلا بد لهم من وضع جداول مرنة تجمع بين الترفيه والتعليم والتثقيف المنبثق من تعاليم الدين والعادات الاجتماعية الراقية؛ لذا لا بد من إيجاد آليات جديدة وأفكار متطورة لكيفية شغل أوقات الفراغ بعيدًا عن كلمة (دعوهم يرتاحون)؛ لأنّ الشارع والتقنية والمجتمع أصبحوا شركاء في التربية السلوكية والدينية، وإنْ لم يدرك الآباء والأمهات ذلك فسوف تكون الإجازة معولَ هدمٍ لكثير من الأخلاقيات التي تعبوا على بنائها في أولادهم طوال العام".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org