"لن ينجوَ أي شخص دخل في قضية فساد".. إعلان حرب ونهج دولة

شعار المرحلة القادمة باستئصال رؤوسه
"لن ينجوَ أي شخص دخل في قضية فساد".. إعلان حرب ونهج دولة

"عندما يأمن الموظف العقاب سيقع في الفساد ويسوم الفقراء سوء العذاب".. الأديب العالمي نجيب محفوظ.

لا يمكن قراءة المشهد الحالي في المملكة بتوقيف عدد من موظفي الدولة من القيادات الوسطى والصغيرة، ومباشرة هيئة الرقابة ومكافحة الفساد لعدد من القضايا التأديبية والجنائية، بعيدًا عن المشهد الأوسع والمنحى العام الذي تتخذه المملكة في مكافحة الفساد، والقضاء على أهله، والذي بدأت خطواته الجادة تتشكل عندما صدر الأمر الملكي بتشكيل لجنة عليا برئاسة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لحصر والتحقيق في قضايا الفساد العام في أواخر عام 2017م، وما رافقه من إيقافات طالت عددًا من الرؤوس الكبيرة في سابقة فريدة.

فالموجة الجديدة التي شملت إيقاف 298 شخصًا بتهم قضايا فساد مالي وإداري، تمثلت في جرائم الرشوة، واختلاس وتبديد المال العام، واستغلال النفوذ الوظيفي، وسوء الاستعمال الإداري، هي إلحاق بالموجة الأولى التي شملت أمراء ووزراء، والموجات الأخرى المتتالية بتعقب صغار المفسدين، التي يعلن عنها بين الحين والآخر؛ فضلًا عن كونها نتيجة للترتيبات الجديدة في إطار مكافحة الفساد بضم "هيئة الرقابة والتحقيق" و"المباحث الإدارية" إلى "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" وتعديل اسمها ليكون "هيئة الرقابة ومكافحة الفساد"؛ لاجتثاث الفساد والمفسدين.

مكافحة فساد الصغار شعار المرحلة

"وجّهني ولي العهد بتغيير منظومة عمل الهيئة والقضاء على الإجراءات البيروقراطية السابقة بعد أن تخلصت البلاد بنسبة كبيرة من الرؤوس الكبيرة الفاسدة، وأنقل تحذيرًا شديد اللهجة من ولي العهد؛ حيث وجّهني بأن المرحلة المقبلة ستكون لاستئصال الفساد وسط الموظفين الحكوميين المتوسطين والصغار الفاسدين منهم فقط".. كانت تلك أولى كلمات مازن الكهموس رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد قبل 6 أشهر، وهي تفسر نفسها بنفسها؛ فهناك توجيه حاسم من القيادة الرشيدة بمحاربة الفساد على مستوى صغار الموظفين، بعد نجاح استئصال الفساد على مستوى رؤوس السلطة، وهناك توجه على أعلى المستويات بإيقاف نزيف هدر الموارد الحكومية، وسوء استعمالها، كأحد أكبر معوقات التنمية.

وعكست كلمات "الكهموس" ما صدح به ولي العهد سابقًا عندما تَوَعّد الفاسدين في حديث سابق قائلًا: "إن لم تكن مكافحة الفساد من على رأس السلطة، فمعناه أنك ليس عندك مكافحة فساد... لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد أيًّا كان؛ سواء وزيرًا أو أميرًا، أيًّا كان"، كما عكس شعار المرحلة الحالية بأن لا أحد فوق القانون، وأن قضايا الفساد لا تسقط بالتقادم، فكل من أفسد سيحاسب حتى بعد تقاعده وابتعاده عن وظيفته، وهي بمثابة إعلان حرب ورسالة قوية للفاسدين والمتراخين تعيد الأمور إلى نصابها.

ولا يخفى على أحد أن للفساد آثارًا سلبية على الاقتصاد والاستثمار من إعاقة لعملية التنمية، وإحباط جهود الدولة؛ فضلًا عن كونه إهدارًا لمواردها المالية، وبدلًا من توجيهها إلى خدمات ملموسة للمواطنين، تتحول إلى جيوب الفاسدين، وأرصدتهم البنكية، كما أن الفساد يدمر سمعة البلدان دوليًّا، ويعيق المستثمرين عن ممارسة أعمالهم، ويساهم في هروب رؤوس الأموال للخارج، وعزوف المستثمرين الدوليين عن الاستثمار في الداخل؛ بسبب البيروقراطية والرشاوى والفساد المالي والإداري بأشكاله كافة.

ويعتبر الفساد آفة وظاهرة عالمية لا تخلو منها دولة واحدة؛ إذ تقدر المصادر العالمية نسبة الفساد العالمي بـ16% من الناتج العالمي. ويصنف مؤشر مدركات الفساد العالمي الذي يصدر عن منظمة الشفافية الدولية، ويشمل 180 دولة، السعودية في المركز 51 عالميًّا لعام 2019م.. وبرغم ارتقاء المملكة مراتب عدة في السنوات الأخيرة؛ مما يدل على نجاعة القرارات والآليات المتخذة في السنوات الأخيرة للحد من الفساد؛ إلا أنه لا يزال في الإمكان التحسن؛ فكلما ارتقت المملكة في سلّم ذلك الترتيب، عزّز ذلك من ثقة المستثمرين المحليين والأجانب في الاستثمار داخل البلاد، وزيادة فرص النمو الاقتصادي، وتحقيق رؤية البلاد الطموحة.

جهود الدولة في محاربته

يمكن القول إن المملكة خطَت خطوات كبيرة في السنوات الأخيرة في مجال مكافحة الفساد، ففضلًا عن ملاحقة الفاسدين الكبار والمتوسطين والصغار، والتشهير بهم؛ كانت هناك إجراءات أخرى شملت حوكمة ودمج وفصل هيئات، وترتيبات تنظيمية وهيكلية من أجل إعلاء قيم المحاسبة والمساءلة والشفافية والنزاهة.

وكان آخر تحركات المملكة في هذا الاتجاه عندما أصدر خادم الحرمين الشريفين 3 قرارات ملكية في نهاية العام الميلادي الماضي، تضمنت قبول "الترتيبات التنظيمية والهيكلية المتصلة بمكافحة الفساد المالي والإداري"، ضم "هيئة الرقابة والتحقيق" و"المباحث الإدارية" إلى "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" وتعديل اسمها ليكون "هيئة الرقابة ومكافحة الفساد"، ويكون من مهامها اتخاذ ما يلزم حيال جرائم الفساد المالي والإداري ومرتكبيها وأطرافه.

كما تضمّنت إنشاء وحدة تحقيق وادعاء جنائي في هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، تختص بالتحقيق الجنائي في القضايا الجنائية المتعلقة بالفساد المالي والإداري، والادعاء فيها.

وهو ما ظهرت نتائجه سريعًا بعد إعلان بيان الهيئة مباشرتها عددًا من القضايا التأديبية والجنائية التي تدخل ضمن اختصاصاتها، ويعكس نهج الدولة وقيادتها الرشيدة في القضاء على الفساد والفاسدين.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org